عن قتادة قال ابن الأنباري رحمه الله يقال : فلان يصبغ فلاناً في الشيء، أي : يدخله فيه، ويلزمه إياه كما يجعل الصبغ لازماً للثوب. وأنشد ثعلب :[ الطويل ]
٨١٧ دَعِ الشَّرَّ وانْزِلْ بالنَّجَاةِ تَحَرُّزاً | إِذا أنْتَ لَمْ يَصْبَغْكَ بِالشّرْعِ صَابِغُ |
[ وقال مجاهد والحسن وأبو العالية وقتادجة رضي الله تعالى عنهمك أصل ذلك أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم فيما يسمونه المعمودية، وصبغوه بذلك ليطهروه به، كأنه الخِتَان، لأن الختان تطهير، فلما فعلوا ذلك قالوا : الآن قد صار نصرانياً حقًّا، فرد الله تعالى عليهم بقوله :﴿ صِبْغَةَ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً ﴾ وهي الإسلام فسمى الإسلام صبغة استعارة ومجازاً من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين كما يظهر أثر الصبغ في الثوب.
قال بعض شعراء ملوك « همدان » :[ المتقارب ]
٨١٨ وَكُلُّ أُنَاسٍ لَهُمْ صِبْغةٌ | وَصِبْغَةُ هَمْدَانَ خَيْرُ الصِّبَغْ |
صَبَغْتنَا عَلَى ذَاكَ أَبْنَاءَنَا | فَأَكْرِمْ بِصِبْغَتِنَا في الصِّبَغْ ] |
القول الثاني : أن صبغة الله فطرته، وهو كقوله :﴿ فِطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ﴾ [ الروم : ٣٠ ].
ومعنى هذا الوجه أن الإنسان موسوم في تركيبه وبِنْيَتِهِ بالعَجْزِ والفَاقَة، والآثار الشاهدة عليه بالحدوث والافتقار إلى الخالق، فهذه الآثار كالصبغة له وكالسِّمَة اللاَّزمة.
[ قال القاضي رحمه الله تعالى : من حمل قوله تعالى :« صبغة الله » على الفطرة فهو مقارب في المعنى لقول من يقول : هو دين الله؛ لأن الفطرة التي أمروا بها هو الدين الذي تقتضيه الأدلّة من عَقْل و شرع، وهو الدين أيضاً الذي ألزمكم الله تعالى التمسّك به، فالنفع به سيظهر دُنيا ودين، كالظهور حُسْن الصبغة، وإذا حمل الكلام على ما ذكرنا، لم يكن لقول من يقول إنما قال ذلك لعادة جارية لليهود والنصارى، وفي صبغ يستعملونه في أولادهم معنى؛ لأن الكلام إذا استقام على أحسن الوجوه بدونه، فلا فائدة فيه ].
القول الثالث : أن صبغة الله هي الختان، الذي هو تطهير، أي كما أن المخصوص الذي للنصارى تظهير لهم، فكذلك الختان تظهير للمسلمين قاله أبو العالية.
القول الرابع : قال الأصم رحمه الله تعالى : أنه حجة الله.
القول الخامس : قال أبو عبيدة رحمه الله تعالى : إنه سُنة الله
وأما قراءة الرفع فتحتمل وجهين :
أحدهما : أنها خبر مبتدأ محذوف أي : ذلك الإيمان صبغة الله.