وقال أبو حيان : الأحسن في القراءتين أن تكون « أم » منقعطة، وكأنه أنكر عليهم محاجتهم في الله، وسبة أنبيائه لليهودية والنصرانية، وقد وقع منهم ما أنكر عليهم ألا ترى إلى قوله :﴿ ياأهل الكتاب لِمَ تُحَآجُّونَ في إِبْرَاهِيمَ ﴾ [ آل عمران : ٦٥ ] الآيات.
وإذا جعلناها متصلة كان ذلك غير متضمن وقوع الجملتين، بل إحداهما، وصار السؤال عن تعيين إحداهما، وليس الأمر كذلك إذ وقعا معاً.
وهذا الذي قاله الشيخ حَسَن جداً.
و « أو » في قوله :« هُوداً أو نصارى » كهي في قوله :﴿ لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نصارى ﴾ [ البقرة : ١١١ ] وقد تقدم تحقيقه.
قوله تعالى :﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله ﴾.
معناه : أن الله أعلم، وَخَبره أصدق، وقد أخبر في التوراة والإنجيل، وفي القرآن على لسان محمد ﷺ أنه كانوا مسلمين مبرئي عن اليهودية والنصرانية.
فإن قيل : إنما يقال هذا فيمن لا يعلمن وهم علموه وكتموه، فكيف يصح الكلام؟
فالجواب : من قال « إنهم كانوا على ظَنّ وتوهم، فالكلام ظاهر، ومن قال : علموا وجحدوا، فمعناه : أن منزلتكم منزلة المعترضين على ما يعلم أن الله أخبر به، فلا ينفعه ذلك مع إقراره بأن الله تعالى أعلم.
[ و »
أم « في قوله تعالى :» أم الله « متصلهة، والجلالة، عطف على » أنتم «، ولكنه فصل بي المتعاطفين بالمسؤول عنه، وهو أحسن الاستعمالات الثلاثة؛ وذلك أنه يجوز في مثل هذا التركيب ثثة أوجه : تقدم المسؤول عنه نحو قوله :» أأعلم أم الله «، وتوسطه نحو » أأنتم أعلم أم الله «، وتأخيره نحو : أأنتم أم الله أعلم.
وقال أبو البقاء رحمه الله تعالى :»
أم الله « مبتدأ، والخبر محذوفل أي : أم الله أعلم، و » أم « هنا متصلة، أي : ربكم أعلم، وفيه نظر؛ لأنه إذا قدر له خبراً صناعياً صار جملة، و » أم « المتصلة لا تعطف الجمل، بل المفرد وما فيها معناه. وليس قول أبي البقاء بتفسير معنى، فيغتفر له ذلك، بل تفسير إعراب، والتفصيل في قوله :» أعلم « على سبيل الاستهزاء، وعلى تقدير أن يظن بهم علم، فيكون من الجهلة، وإلا فلا مشاركة، ونظيره قول حسان :[ الوافر ]

أَتهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ شَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الفِدَاءُ
وقد علم أن الرسول ﷺ خير الكل ].
قوله تعالى :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ الله ﴾.
في »
من « من قوله :» مِنَ اللهِ « أربعة أوجه :
أحدها : أنها متعلقة ب »
كنتم «، وذلك على حذف مضاف أي : كتم من عباد الله شهادة عنده.


الصفحة التالية
Icon