الثاني : أن تتعلق بمحذوف على أنها صفة لشهادة بعد صفة؛ لأن « عنده » صفة لشهادة، وهو ظاهر قول الزمخشري رحمه الله، فإنه قال : و « من » في قوله :« شَهَادَةً مِنَ اللهِ » مثلها في قولك :« هذه شهادة مني لفلان » إذا شهدت له، ومثله :﴿ بَرَآءَةٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ ﴾ [ التوبة : ١ ].
الثالث : أنها في محلّ نصب على الحال من المضمر في « عنده » يعني : من الضمير المرفوع بالظَّرف لوقوعه صفة، ذكره أبو البقاء رحمه الله تعالى.
الرابع : أن يتعلّق بذلك المحذوف الذي تعلق به الظرف، وهو « عنده » لوقوعه صفة، والفرق بينه وبين الوجه الثاني أن ذلك له عامل مستقل غير العامل في الظرف.
قال أبو البقاء : ولا يجوز أن تعلق « من » بشهادة لئلاً يفصل بين الصلة والموصول بالصفة يعني : أن « شهادة » مصدر مؤول بحرف مصدري وفعل، فلو عَلّقت « مِنْ » بها لكنت قد فصلت بين ما هو في معنى الموصول، وبين أبعاض الصّلة بأجنبي، وهو الظرف الواقع صفة لشهادة.
وفيه نظر من وجهين :
أحدهما : لا نسلم أن « شهادة » ينحل إلى الموصول وصلته فإن كل مصدر لا ينحل لهما.
والثاني : سلمنا ذلك، ولكن لا نسلم و الحالة هذه أن الظرف صفة، بل هو معمول لها، فيكون بعض الصلة أجنبياً حتى يلزم الفصل به بين الموصول وصلته، وإنما كان طريق منع هذا بغير ما ذكر، وهو أن المعنى يأبى ذلك.
و « كتم » يتعدّى لا ثنين، فأولهما في الآية الكريمة محذوف تقديره : كنتم النَّاس شهادةً، والأحسن من هذه الوجوه أن تكون « من الله » صفة لشهادة أو متعلّقة بعامل الظرف لا متعلقة ب « كنتم »، وذلك أن كتمان الشهادة مع كونها مستدعة من الله عنده ابلغ في الأظلمية من كتمان شهادة مطلقة من عبادة الله.
وقال في « ري الظمآن » : في الآية التقديم وتأخير، والتقدير : ومن أظلم من الله ممن كتم شهادة حصلت له كقولك :« ومن أظلم من زيد من جملة الكلمتين للشهادة »، والمعنى : لو كان إبراهيم وبنوه يهوداً أو نصارى، ثم إن الله كتم هذه الشهادة لم يكن أحد ممن يكتم الشهادة أظلم منه، لكن لما استحال ذلك مع عدلهن وتنزيهه عن الكذب علمنا أن الأمر ليس كذلك.
قال ابو حيان : وهذا متكلّف جدّاً من حيث التركيب، ومن حيث المدلول. أما التركيب فإن التقديم والتأخير من الضَّرائر عند الجمهور.
وأيضاً فيبقى قوله :« مِمَّنْ كَتَمَ » متعلقاً : إما ب « أظلم »، فيكون ذلك على طريق البدلية، ويكون إذ ذلك بدل عام من خاص، وليس بثابت، وإن كان بعضهم زعم وروده، لكن الجمهور تأولوه بوضع العامّ موضع الخاص، أو تكون « من » متعلقة بمحذوف، فتكون في موضع الحال، أي : كائناً من الكاتمين.