وقال السدي : هم المنافقون إنما ذكروا ذلك استهزاء من حيث لا يتميز بعض الجهات عن بعض بخاصية معقولة تقتضي تحويل القبلة إليها، فكان هذا التحويل مجرد العبث، والعمل بالرأي والشهوة، وإنما حملنا لفظ السفهاء على المنافقين، لأن هذا الاسم مختص بهم، قال الله تعالى :﴿ ألاا إِنَّهُمْ هُمُ السفهآء ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾ [ البقرة : ١٣ ].
وقيل : يدخل فيه الكل؛ لأن لفظ السفهاء لفظ عموم، ودخل فيه الألف واللام، وقد بَيّنا صلاحيته لكلّ الكفار بحسب الدليل العقلي، والنص أيضاً يدلّ عليه، وهو قوله :﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ [ البقرة : ١٣٠ ].
[ فإن قيل : المقصود من الآية بيان وقوع هذا الكلام منهم في الجملة، وإن كان كذلك لم يكن ادعاء العموم فيه بعيداً.
قلنا : هذا القدر لا ينافي العموم، ولا يقتضي تخصيصه؛ بل الأقرب أن يكون الكل قد قالوا ذلك؛ لأن الأعداء مجبولون على القدح والطعن، فإذا وجدوا مجالاً لم يتركوا مقالاً ].
قوله تعالى :﴿ مِنَ النَّاسِ ﴾ في محلّ نصب على الحال من « السفهاء » والعامل فيها « سيقول »، وهي حال مبينة، فإن السَّفه كما يوصف به الناس يوصف به غيرهم من الجماد والحيوان، وكما ينسب القول إليهم حقيقة ينسب لغيرهم مجازاً، فرفع المجاز بقوله :« مِنَ النَّاسِ » ذكره ابن عطية وغيره.
قوله :﴿ ما وَلاّهُمْ ﴾ « ما » مبتدأ، وهي استفهامية على وجه الاستهزاء والتعجب، والجملة بعدها خبر عنها و ﴿ عن قبلتهم ﴾ متعلّق ب « ولاّهم »، ولا بد من حذف مضاف في قوله :« عليها » أي : على توجهها، أو اعتقادها، وجملة الاستفهام في محلّ نصب بالقول والاستعلاء في قوله :« عليها » مجاز، نزَّل مواظبتهم على المُحَافظة عليها منزلة من اسْتَعْلَى على الشيء، والله أعلم.
فصل في الكلام على التولّي
وَلاَّه عنه : صرفه عنه، وولى إليه بخلاف ولّى عنه، ومنه قوله تعالى :﴿ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ﴾ [ الأنفال : ١٦ ] وفي هذا التولّي قولان :
المشهور عند المفسرين : أنه لما حولت القبلة إلى الكعبة عاب الكفار المسلمين، فقالوا :﴿ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ ﴾ فالضَّمير في قوله :﴿ مَا وَلاَّهُمْ ﴾ للرسول - ﷺ - والمؤمنين والقبلة التي كانوا عليها هي « بيت المقدس ».
واختلفوا في تاريخ تحويل القِبْلَة بعد ذهابه إلى « المدينة » فقال أنس بن مالك - رضي الله عنه - بعد تسعة أشهر أو عشرة أشهر وقال معاذ : بعد ثلاثة عشر شهراً، وقال قتادة : بعد ستة عشر شهراً.