ونسب الزمخشري في جعله « القِبْلَة » مفعولاً أول إلى الوهم.
الأصح : أن « القِبْلَة » مفعول أول، و « التي كنت » صفتها، والمفعول الثَّاني محذوف تقديره : وما جعلنا القِبْلة التي كنت عليها منسوخة.
ولما ذكر أبو البقاء هذا الوجه قدره : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلة، ولا طائل تحته.
الرابع : أن « القبلة » مفعول أول، و « إلاَّ لنعلم » هو المفعول الثَّاني، وذلك على حذف مضاف تقديره : وما جعلنا صرف القِبْلَة التي كنت عليها إلا لنعلم، نحو قولك : ضرب زيد للتأديب، أي : كائن، أو ثابت للتأديب.
الخامس : أن « القبلة » مفعول أول، والثاني محذوف، و ﴿ التي كُنتَ عَلَيْهَآ ﴾ صفة لذلك المحذوف، والتقدير : وما جعلنا القِبْلة القبلة التي، ذكره أبو البقاء، وهو ضعيف.
وفي قوله :« كُنْتَ » وجهان :
أحدهما : أنها زائدة، ويروى عن ابن عباس أي : أنت عليها، وهذا منه تفسير معنى لا إعراب، وهو كقوله تعالى :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [ آل عمران : ١١٠ ] والقبلة في الأصل اسم للحالة التي عليها المقابلة نحو : الجِلْسَة، وفي التعاريف صار اسماً للمكان المقابل المتوجه إليه للصلاة.
وقال قطرب رحمه الله تعالى : يقولون : ليس له قِبْلَة أي جهة يتوجه إليها.
وقال غيره : إذا تقابل رجلان فكلّ واحد قبلة للآخر.
فصل في الكلام على الآية.
في هذا الكلام وجهان :
الأول : أن يكون هذا الكلام بياناً للحكمة في جعل الكعبة قِبْلة، وذلك لأنه - ﷺ - كان يصلّي إلى الكعبة، ثم أمر بالصلاة إلى « بيت المقدس » بعد الهجرة تأليفاً لليهود، ثم حول إلى الكعبة فقال :﴿ وَمَا جَعَلْنَا القبلة ﴾ الجهة ﴿ التي كُنتَ عَلَيْهَآ ﴾ أولاً يعني : وما رددناك إليها إلا امتحاناً للناس.
الثاني : يجوز أن يكون قوله :﴿ التي كُنتَ عَلَيْهَآ ﴾ لساناً للحكمة في جعل بيت المقدس قبلة يعني أصل أمرك أن تستقبل الكعبة، وأن استقبالك « بيت المقدس » كان أمراً عارضاً لغرض، وإنما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها قبل وقتك هذان وهي « بيت المقدس » لنمتحن الناس، وننظر من يتبع الرسول، ومن لا يتبعه وينفر عنه.
وذكر أبو مسلم وجهاً ثالثاً فقال : لولا الروايات لم تدلّ على قبلة من قبل الرسول - ﷺ - لأنه قد يقال : كنت بمعنى : صرت، كقوله تعالى :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾ وقد يقال : كان في معنى لم يزل كقوله تعالى :