سلمنا أن المراد من الإيمان هاهنا الصلاة، ولكن الصلاة أعظم الإيمان، وأشرف نتائجه وفوائده، فجاز إطلاق اسم الإيمان على الصلاة على سبيل الاسْتِعَارة من هذه الجهة.
فصل في الكلام على الآية.
قوله :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ أي : لا يضيع ثواب إيمانكم؛ لأن الإيمان قد انقضى وفني، وما كان كذلك استحال حفظه وإضاعته، إلاّ أنَّ استحقاق الثواب قائم بعد انقضائه، فصح حفظه وإضاعته، وهو كقوله تعالى :﴿ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٩٥ ].
قوله :﴿ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾.
قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر :« لَرَؤُفٌ » على وزن :« نَدُس » و « رَعُف » مهموزاً غير مُشْبَع، وهي لغة فاشيةٌ، كقول :[ الوافر ].
٧٢٨ - وَشَرُّ الظَّالِمين فَلا َتَكُنْهُ | يُقَاتِلُ عَمَّهُ الرَّؤُفَ الرَّحِيمَا |
٨٢٨ - يَرَى لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ حَقّاً | كَحَقِّ الوَلِدِ الرِّؤُفِ الرَّحِيمِ |
وقرأ أبو جعفر « لروف » من غير هَمْزٍ، وهذا دأبه في كل همزة ساكنة أو متحركة.
و « الرأفة » : أشد الرحمة، فهي أخص منها، [ وقيل بينهما عموم وخصوص، فلا ترى فيه اكمل من الرحمة بالكيفية، والرحمة اتصال النعمة برقة يكون معها إيلام كقطع العضو المتآكل وشرب الدواء ].
وفي « رءوف » لغتان أخريان لم تصل إلينا بهما قراءة وهما :« رئِف » على وزن « فَخِذ »، و « رأف » على وزن « ضَعْف ».
وإنم قدم على « رحيم » لأجل الفواصل، والله أعلم.
فصل فيمن استدل بالآية على أن الله تعالى لا يخلق الكفر
استدلت المعتزلة بهذه الآية على أنه تعالى لا يخلق الكفر ولا الفساد قالوا : لأنه - تعالى - بين أنه بالنَّاس لرءوف رحيم، فوجب أن يكون رءوفاً رحيماً بهم، وإنما يكون كذلك لو لم يخلق فيهم الكُفْر الذي يجرّهم إلى العقاب الدائم، والعذاب السَّرمَدِي، ولو لم يُكَلّفهم ما لا يُطِيقون، فإنه - تعالى - لَوْ كان مع مثل هذا الإضرار رءوفاً رحيماً، فعلى أيّ طريقٍ يتصور ألاَّ يكون رَءُوفاً رَحيماً.
واعلم أنَّ الكلامَ عليه قد تَقَدَّم مِرَاراً، والله أعلمُ.