الوجه الثالث : قال الحسن : إن جبريل - عليه السلام - أتى رسول الله ﷺ يخبره أن الله - تعالى سيحوّل القبلة عن بيت المقدس إلى قبلة أخرى، ولم يبين له إلى أي موضع يحوّلها، ولم تكن قبلة أحبّ إلى الرسول - ﷺ - من الكَعْبة، فكان رسول الله يقلّب وجهه في السّماء ينتظر الوحي؛ لأنه - عليه السلام - على أنّ الله تعالى لا يتركه بغير صلاة، فأتاه جبريل عليه السلام، فأمره أن يصلّي نحو الكعبة.
والقائلون بهذا الوجه اختلفوا، فمنهم نم قال : إنه - عليه السلام - منع من استقبال « بيت المقدس » ولم يعين له القِبْلة، فكان يخاف أن يرد وق الصلاة، ولم تظهر القبلة، فتتأخر صلاته، فلذلك كان يقلّب وجهه. عن الأصم.
وقال آخرون : بل وعد بذلك، وقِبْلة بيت المقدس باقية، بحيث تجوز الصلاة إليها، لكن لأجل الوعد كان يتوقع ذلك، ولأنه كان يرجو عند التحويل عن « بيت المقدس » إلى « الكعبة » وجوهاً كثيرة من المصالح الدينية :
نحو : رغبة العرب في الإسلام، والمُبَاينة عن اليهود، وتَمْيِيز المُوافق من المُنَافِق، لهذا كان يقلّب وجهه، وهذا الوجه أولى، وإلاّ لما كانت القِبْلَة الثانية ناسخة للأُولى، [ بل كانت مبتدأه.
والمفسرون أجمعوا على أنها ناسخة للأولى ]، ولأنه لا يجوز أن يؤمر بالصلاة إلاَّ مع بيان موضع التوجّه.
الرابع : أن تقلب وجهه في السَّماء هو الدعاء.
القول الثاني : وهو قول أبي مسلم الأَصْفَهَاني، قال : لولا الأخبار التي دلّت على هذا القول، وإلا فلفظ الآية يحتمل وجهاً آخر، وهو أنه يحتمل أنه - ﷺ - إنما كان يقلّب وجهه في أول مقدمة « المدينة ».
فقد روي أنه - عليه السلام - كان إذا صلّى ب « مكة » جعل الكعبة بينه وبين « بيت المقدس »، وهذه صلاة إلى الكعبة، فلما هاجر لم يعلم أين يتوجه، فانتظر أمر الله - تعالى - حتى نزل قوله :﴿ ﴾.
فصل اختلفوا في صلاته إلى بيت المقدسن فقال قوم : كان ب « مكة » يصلي إلى الكعبة فلما صار إلى المدينة أمر بالتوجه [ إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً.
وقال قوم : بل كان ب « مكة » يصلي إلى بيت المقدس، إلا أنه يجعل الكعبة بينه وبينها.
وقال قوم : بل كان يصلي إلى بيت المقدس فقط وب « المدينة » أولاً سبعة عشر شهراً، ثم أمره الله تعالى بالتوجه إلى الكعبة لما فيه من الصلاح.


الصفحة التالية
Icon