والرعونة : الجهل والحُمقُ والهَوَج، وأصل الرعونة : التفرُّق، ومنه :« جيشٌ أرْعَنُ » أي : متفرِّق في كل ناحية، ورجلٌ أَرْعَنُ : أي ليس له عَقْل مجتمع، وامرأة رَعْنَاء.
وقيل للبَصْرَة : الرعْنَاء؛ قال :[ البسيط ]

٧٢٢ لَوْلاَ ابْنُ عُتْبَةَ عضْرٌو والرَّجَاءُ لَهُ مَا كَانَتِ البَصْرَةُ الرَّعْنَاءُ لِي وَطَنا
قيل : سميت بذلك لأنها أشبهت « رَعُنَ الجَبَل » وهو النَّاتيىء منه.
وقال ابن فارس : يقال :« رَعُنَ الرجل يَرْعُنَ رَعْناَ ».
وقرأ أُبيّ، وزرُّ حُبَيش، والإعمش ذكرها القرطبي « راعونا »، وفي مصحف عبد الله كذلك، خاطبوه بلفظ الجمع تعظيماً، وفي مصحف عبدالله أيضاً « ارعونا » لما تقدم.
والجملة في محل نصب بالقول، وقدم النهي على الأمر؛ لأنه من باب التروك فهو أسهل.
فإن قيل : أفكان النبي ﷺ يعجل عليهم حتَّى يوقلوا هذا؟ فالجَوَاب من وجهين :
أحدهماك أن هذه اللفظة قد تقال في خلال الكلام، وإن لم تكن هناك عجلة تحوج إلى ذلك كقول الرجل في خلال حديثة : اسمع أو سمعت.
الثاني : أنهم فسروا قوله تعالى :﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ { القيامة : ١٦ ] أنه عليه السلام كان يعجل قول ما يلقيه إليه جبريل عليه السلام حرصاً على تحصيل الوَحْي، وأخذ القرآ، ، فقيل له : لا تحرّك به لسانك لتعجل به، فلا يبعد أن يجعل فيما يحدث به أصحابه من أمر الدين حرصاً على تعجيل أفهامهم، فكانوا يسألونه في هذه الحالة أن يمهلهم فيما يخاطبهم به إلى أن يفهموا كل ذلك الكلام.
قوله :« انْظُرْنَا » الجملة أيضاً في محلّ نصب بالقول، والجمهور على انظرنا [ بالوصل ] الهمزة، وضم الظاء أمراً من الثلاثي، وهو نَظَر من النَّظِرَة، وهي التأخير، أي : أخرنا وتأَنَّ عَلْينا؛ قال امرؤ القَيْسِ :[ الطويل ]
٧٢٣ فَإنّكُمَا إنْ تَنْظُرَانِيَ سَاعَةً مِنَ الدَّهْرِ يَنْفَعْنِي لَدَي أُمِّ جُنْدَبِ
وقيل : هو من نظر أي : أَبْصَرَ، ثم اتُّسع فيه، فعدّي بنفسه؛ لأنه في الأصل يتعدى ب « إلَى » ؛ ومنه :[ الخفيف ]
٧٢٤ ظَاهِرَاتُ الجَمَالِ وَالحُسْنِ يَنْظُرْنَ كَمَا يَنْظُرُ الأَرَاكَ الظِّبَاءُ
أي : إلى الأراك.
وقيل : من نظر أي : تفكر ثم اتسع فيه أيضاًن فإن أصله أن يتعدّى ب « في »، ولا بد من حذف مضاف على هذا أي : انظر في أمرنا، وقرأ أبيّ والأعمش :« أنْظِرْنَا » بفتح الهمزة وكسر الظاء أمراً من الرباعي يمعنى : أَمْهِلْنَا وأَخِّرْنَا؛ قال :[ الوافر ]
٧٢٥ أَبَا هِنْدٍ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْنَا وأنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ اليَقِينَا
أي : أمهل علينا، وهذه القراءة تؤيد أن الأول من النَّظِرَةِ بمعنى التأخير، لا من البَصَر، ولا من البَصِيرَة، وهذه الآية نظير [ آية ] الحديد


الصفحة التالية
Icon