وقرأ علي بن أبي طالب :« » نصباً، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه منصوب على البدل من الحق المكتوم، قاله الزمخشري.
الثاني : أن يكون منصوباً بإضمار « الذم »، ويدل عليه الخطاب بعده في قوله :« لَلاَ تَكُونَنَّ ».
الثالث : أنه يكون منصوباً ب « يعلمون » قبله، وذكر هذين الوجهين ابن عطية، وعلى هذا الوجه الأخير يكون مما وقع فيه الظاهر موضع المضمر، أي : وهم يعلمونه كائناً من ربك، وذلك سائغ حسن في أماكن التفخيم والتهويل نحو :[ الخفيف ]
٧٣٧ - لاَ أَرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ المَوْتَ شَيءٌ | ............................... |
٨٣٨ - فَإِيَّاكَ إِيَّاكَ الْمِرَاءَ فَإِنَّهُ | إِلَى الشَّرِّ دَعَّاءٌ وَلِلشَّرِّ جَالِبُ |
وقال الراغب : المِرْيَة : التردّد في الأمر، وهي أخَصُّ من الشَّك، والامتراء والمماراة المُحاجَّةُ فيما فيه مِرْية، وأصله من مَرَيْتُ النَّاقة إذا مَسحتَ ضَرْعَها للحَلْب.
ففرق بين المِرْية والشَّك كما ترى، وهذا كما تقدم له الفرق بين الرّيب والشَّك، وانشد الطبري قول الأعشى :[ الطويل ]
٨٣٩ - تَدُرُّ عَلى أَسْؤُقِ المُمْتَرِي | نَ رَكَضاً إِذَا مَا السَّرَابُ ارْجَحَنْ |
قال : ووهم في ذلك؛ لأن أبا عبيدة وغيره قالوا : الممترون في البيت هم الذين يمرُّون الخيل بأرجلهم هَمْزاً لتجري كأنهم يَتَحلبون الجري منها.
[ فصل فيمن نزلت فيه الآية
قوله :﴿ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين ﴾ قال الحسن : من الذين علموا صحة نبوتك وإن بعضهم عاندوكم.
وقيل : بل يرجع إلى أمر القبلة.
وقيل : بل يرجع إلى صحة نبوته وشرعه، وهو أقرب؛ لأن أقرب مذكور إليه قوله :« من ربك » ؛ وظاهره يقتضي النبوة، فوجب أن يرجع إليه، ونهيه عن الامتراء لا يدلّ على أنه كان شاكاً فيه كما تقدم القول في هذه المسألة ].