جمهور القراء على تنوين « كلّ »، وتنوينهُ للعوض من المضاف إيله، والجار خبر مقدم، و « وِجْهَة » مبتدأ مؤخر.
واختلف في المضاف إليه « كل » المحذوف.
فقيل : تقديره : ولكل طائفة من أهل الأديان [ يعني : أن الله يفعل ما يعلمه صلاحاً، فالجهات من الله تعالى وهو الذي ولَّى وجوه عباده إليها فانقادوا لأمر الله تعالى، فإن انقيادكم خيرات لكم، ولا تلتفتوا إلى طعن هؤلاء، وقولهم :« ما ولاّهم عن قبلتهم أي التي كانوا عليها » فإن الله يجمعهم وإياكم في القيامة ].
وقيل : ولكل أهل موضع من المسلمين وِجْهَتُه إلى جهة الكعبة يميناً وشمالاً ووراء وقدّام [ فهي كجهة واحدة، ولا يخفى على الله نيّاتهم؛ فهو يحشرهم جميعاً ويثيبهم على أعمالهم ]. وفي « وجهة » قولان :
أحدهما : ويعزى للمبرد، والفارسي، والمازني في أحد قوليه : أنها اسم المكان المتوجه إليه، وعلى هذا يكون إثبات « الواو » قياساً إذ هي غير مصدر.
قال سيبويه ولو بنيت « فِعْلَة » من الوعد لقلت : وعدة، ولو بنيت مصدراً لقلت : عدة.
والثاني : أنه مصدر، ويعزى للمازني، وهو ظاهر كلام سيبويه، فإنه قال بعد ذكر حذف « الواو » من المصادر :« وقد أثبتوا فقالوا : وجهة في الجهة » وعلى هذا يكون إثبات « الواو » شاذَاً مَنْبَهَةٌ على ذلك الأصل المتروك في « عدة » ونحوها، والظاهر أن الذي سوغ إثبات « الواو » وإن كانت مصدراً أنها مصدر جاءت على حذف الزوائد؛ إذ الفعل المسموع من هذه المادة تَوَجَّه واتَّجَهَ، ومصدرهما التوجه والاتجاه، ولم يسمع في فعله :« وَجَهَ يَجِهُ » ك « وعد يَعِدُ »، وكان الموجب لحذف « الواو » من عدة وزنة الحمل على المضارع لوقوع الواو بين ياء وكسرة، وهنا لم يسمع فيه مضارع يحمل مصدره عليه، فلذلك قلت : إن « وِجْهَة » مصدر على حذف الزوائد ل « توجه » أو « اتجه »، وقد ألم أبو البقاء بشيء من هذا.
قال القرطبي : الوِجْهَة وزنها فِعْلَة من المُوَاجهة.
والوجهة والجهة والوجه بمعنى واحد، والمراد القِبْلة، أي : أنهم لا يتبعون قبلتك، وأنت لا تتبع قبلتهم، ولك وجهة : إما بحق، وإما بهوى.
فصل في لفظ الوجه
قال أبو العباس المقرئ : ورد لفظ الوجه في القرآن الكريم على أربعة أضرب : الأول : بمعنى الملّة، قال تبارك وتعالى :﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾ أي : ملّة.
الثاني : بمعنى الإخلاص في العمل، قال تعالى :﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ ﴾ [ الأنعام : ٧٩ ] أي : أخلصت عملي، ومثله :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ [ النساء : ١٢٢ ] أي : أخلص عمله لله.
الثالث : بمعنى الرِّضَا، قال تعالى :