﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [ الأنعام : ٥٢ ] أي : رضاه، ومثله :﴿ واصبر نَفْسَكَ ﴾ [ الكهف : ٢٨ ] الآية الكريمة، ومثله :﴿ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُو عِندَ الله وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله ﴾ [ الروم : ٢٩ ] أي : رضاه.
الرابع : الوجه هو الله تعالى كقوله تعالى :﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله ﴾ [ البقرة : ١١٥ ]، ومثله :﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله ﴾ [ الإنسان : ٩ ]، وقوله :﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ [ القصص : ٨٨ ] أي : إلاّ إياه.
قوله تعالى :« هُوَ مُوَلِّيهَا » جملة مبتدأ وخبر في محلّ رفع؛ لأنها صفة ل « وجهة » [ وهي قراءة الجمهور ] واختلف في « هو » على قولين :
أحدهما : أنه يعود على لفظ « كلّ » لا على معناها، ولذلك أفرد [ قال القرطبي : ولو كان على المعنى لقال : هم مولوها وجوههم فالهاء والألف مفعول أول ]. والمفعول الثاني محذوف لفهم المعنى تقديره : هو موليها وجهه أو نفسه، ويؤيد هذا قراءة ابن عامر :« مُوَلاَّها » على ما لم يسم فاعله.
والثاني : أنه يعود على الله - تعالى - أي : الله مولّي القبلة إياه، أي ذلك الفريق.
وقرأ الجمهور :« مُوَليها » على اسم فاعل، وقد تقدم أنه حذف أحد مفعوليه، وقرأ ابن عامر - ويعزى لابن عباس - « مُوَلاَّها » على اسم المفعول، وفيه ضمير مرفوع قائم مقام الفاعل والثاني : هو الضمير المتصل به وهو « ها » العائد على الوجهة.
وقيل : على التولية ذكره أبو البقاء، وعلى هذه القراءة يتعيّن عود « هو » إلى الفريق؛ إذ يستحيل في المعنى عوده على الله تعالى. [ ولقراءة ابن عامر معنيان :
أحدهما : ما وليته فقد ولاّك؛ لأن معنى وليته أي : جعلته بحيث يليه، وإذا صار بحيث يلي ذاك، فذاك أيضاً يلي هذا، فإذاً قد يفيد كل واحد منهما الآخر.
فهو كقوله تعالى :﴿ فتلقى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ ﴾ [ البقرة : ٣٧ ] فهذا قول الفراء.
الثاني :« هُوَ مُوَلِّيها » أي : قد زينت لك تلك الجهة أي صارت بحيث تتبعها وترضاها ].
وقرأ بعضهم :« وَلَكُلِّ وجهة » بالإضافة، ويعزى لابن عامر، واختلفوا فيها على ثلاثة أقوال :
أحدها، وهو قول الطبري : أنها خطأ، وهذا ليس بشيء؛ إذ الإقدام على تخطئة ما ثبت عن الأئمة لا يسهل.
[ قال ابن عطية : وخطأها الطبري وهي متّجهة أي : فاستبقوا الخيرات لكل وجهة ولاكموها، ولا تعترضوا فيما أمركم من هذه وهذه أي : إنما عليكم الطاعة في الجميع وقدم قوله :« ولكلٍّ وجهةٌ » على الأمر في قوله :« فَاسْتَبقوا الخيرات » للاهتمام بالوجهة كما يقدم المفعول.
وذكر أبو عمرو الدَّاني هذه القراءة عن ابن عَبَّاس ].
والثاني : وهو قول الزمخشري وأبي البقاء أن « اللام » زائدة في الأصل.
قال الزمخشري : المعنى وكلّ وجهة اللَّهُ مولّيها، فزيدت « اللام » لتقدم المفعول، كقولك : لزيد ضربت، ولزيد أبوه ضاربه.


الصفحة التالية
Icon