قال أبو حيان : وهذا فاسد؛ لأن العامل إذا تعدَّى لضمير الاسم لم يتعد إلى ظاهره المجرور ب « اللام » لا تقول : لزيد ضربته، ولا : لزيد أنا ضاربه، لئلا يلزم أحد محذورين، وهما : إما لأنه يكون العامل قوياً ضعيفاً. [ وذلك أنه من حيث تعدّى للضمير بنفسه يكون قويّاً ومن حيثُ تعدى للظاهر ب « اللام » يكون ضعيفاً ]، وإما لأنه يصير المتعدي لواحد متعدياً لاثنين، ولذلك تأويل النحويون ما يوهم ذلك وهو قوله :[ البسيط ].

٨٤٠ - هَذَا سُرَاقَةُ لِلْقُرآنِ يَدْرُسُهُ وَالْمَرْءُ عِنْدَ الرُّشَا إِنْ يَلْقَهَا ذِيْبُ
على أن الضمير في « يدرسه » للمصدر أي : يدرس الدرس لا للقرآن؛ لأن الفعل قد تعدى غليه.
وأام تمثيله بقوله :« لزيد ضربت »، فليس نظير الآية؛ لأنه لم يتعدّ في هذا المثال إلى ضميرهن ولا يجوز أن تكون المسألة من باب الاشتغال، فتقدر عاملاً في :« لكل وجهة » يفسره « موليها » ؛ لأن الاسم المشتغل عنه إذا كان ضميره مجروراً بحرف ينتصب ذلك الاسم بفعل يوافق العامل الظاهر في المعنى، ولا يجوز جر المشتغل عنه إذا كان ضميره مجروراً بحرف تقول : زيداً مررت به، أي : لابست زيداً مررت به، ولا يجوز : لزيد مررت به.
قال تعالى :﴿ والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ ﴾ [ الإنسان : ٣١ ]، وقال :
٨٤١ - أَثَعْلَبَةَ الْفَوارِسِ أَمْ رِيَاحاً عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ وَالْخِشَابَا
فأتى بالمشتغل عنه منصوباً، وأما تمثيله بقوله : لزيد أبوه ضاربه، فتركيب غير عربي.
الثالث : أن « لكلّ وجهة » متعلق بقوله :﴿ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ ﴾ أي : فاستبقوا الخيرات لكل وجهة، وإنما قدم على العامل للاهتمام به، كما تقدم المفعول، كا ذكره ابن عطية.
ولا يجوز أن توجه هذه القراءة على أن « لكل وجهة » في موضع المفعول الثاني ل « مولّيها »، والمفعول الأول هو المضاف إليه اسم الفاعل الذي هو « مولّ »، وهو « ها »، وتكون عائدة على الطوائف، ويكون التقدير : وكلَّ وجهة اللَّهُ مولِّي الطوائف أصحاب القِبْلاَت، وزيدت « اللام » في المفعول لتقدمه، ويكون العامل فرعاً؛ لأن النحويين نصُّوا على أنه لا يجوز زيادة « اللام » للتقوية إلا في المتعدي لواحد فقط، و « مولّ » مما يتعدّى لاثنين، فامتنع ذلك فيه، وهذا المانع هو الذي منع من الجواب عن الزمخشري فيما اعترض به أبو حيان عليه من كون الفعل إذا تعدى للظاهر، فلا يتعدى لضميره، وهو أنه كان يمكن أن يجاب عنه بأن الضمير المتصل ب « مول » ليس بضمير المفعول، بل ضمير المصدر وهو التَّولية، يكون المفعول الأول محذوفاً والتقدير : الله مولي التولية كلَّ وجهةٍ أَصْحَابَها، فلما قدم المفعول على العامل قوي ب « اللام » لولا أنهم نصوا على المنع من زيادتها في المتعدي لاثنين وثلاثة.


الصفحة التالية
Icon