قوله تعالى :« فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ » « الخيرات » منصوبة على إسقطا حرف الجر، التقدير : إلى الخيرات، كقوله الراعي :[ الطويل ]

٨٤٢ - ثَنَائِي عَلَيْكُمْ آلَ حَرْبٍ وَمَنْ يَمِلْ سِوَاكُمْ فَإِنِّي مُهْتَدٍ غَيرُ مَائلِ
أي : إلى سواكم، وذلك لأن « استبق » : إما بمعنى سبق المجرد، أو بمعنى : تسابق [ لا جائز أن يكون بمعنى : سبق؛ لأن المعنى ليس على اسبقوا الخيرات، فبقي أن يكون بمعنى : تسابق ] ولا يتعدى بنفسه.
و « الخيرات » جمع : خيرة، وفيها احتمالان.
أحدهما : أن تكون مخففة من « خَيِّرة » بالتشديد بوزن « فَيْعِلة » نحو : مَيْت في مَيِّت.
والثاني : أن تكون غير مخففة، بل تثبت على « فَعْلَة » بوزن « جفْنَة »، يقال : رجل خير وامرأة خير، وعلى كلا التقديرين فليسا للتفضيل.
والسبق : الوصول إلى الشيء أولاً، وأصله التقدم في السير، ثم تجوز به في كل ما تقدم
فضل في المسابقة إلى الصلاة
من قال : إنَّ الصلاة في أول الوقت أفضل استدل بقوله :« فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ » ؛ قال : لأن الصلاة خير لقوله ﷺ « خَيْرُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلاَةُ » وظاهر الأمر بالسبق للوجوب، فإذا لم يتحقق فلا أقل من الندب.
وأيضاً قوله تعالى :﴿ سابقوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [ الحديد : ٢١ ] ومعناه : إلى ما يوجب المغفرة، والصلاة مما يوجب المغفرة، فوجب أن تكون المسابقة إليها مندوبة.
وأيضاً قوله تعالى :﴿ والسابقون السابقون أولئك المقربون ﴾ [ الواقعة : ١٠ - ١١ ].
والمراد منه : السابقون في الطاعات، والصلاة من الطاعات، وأيضاً أنه مدح الأنبياء المقدمين بقوله تعالى :﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الخيرات ﴾ [ الأنبياء : ٩٠ ]، والصلاة من الخيرات، كما بَيّنا.
وأيضاً أنه تعالى ذم إبْليس في ترك المُسَارعة فقال :﴿ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ﴾ [ الأعراف : ١٢ ].
وأيضاً قوله تعالى :﴿ حَافِظُواْ عَلَى الصلوات ﴾ [ البقرة : ٢٣٨ ] والمحافظة لا تحصل إلا بالتَّعْجيل، ليأمن الفوت بالنسيان.
وأيضاً قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام :﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى ﴾ [ طه : ٨٤ ] فثبت أن الاستعجال أولى.
وأيضاً قوله تعالى :﴿ ﴾ [ الحديد : ١٠ ] فبين أن المسابقة سبب لمزيد الفضيلة، وأيضاً ما روي عن النبي ﷺ أنه قال :« الصَّلاَةُ في أَوَّلِ الوَقْتِ رَضْوَانُ اللَّهِ وَفِي آخِرِهِ عَفْوُ اللَّهِ ».
قال الصديق رضي الله عنه : رضوان الله أحب إلينا من عَفْوه.
قال الشافعي رضي الله عنه : رضوان الله إنما يكون للمحسنين، والعفو يوشك أن يكون عن المقصرين.
فإن قيل : هذا الاحتجاج يقتضي أن يأثم بالتأخير، وأجمعنا على أنه لا يأثم، فلم يبق إلا أن يكون معناه : أن الفعل في آخر الوقت يوجب العفو عن السيئات السابقة، وما كان كذلك فلا شك أنه يوجب رضوان الله، فكان التأخير موجباً للعفو والرضوان، فكان التأخير أوْلى.


الصفحة التالية
Icon