فالجواب : أنه لو كان كذلك لوجب أن يكون تأخير المغرب أفضل، وذلك لم يقله أحد، وأيضاً عدم المُسَارعة إلى الامتثال يشبه عدم الالتفات، وذلك يقتضي العقاب، إلاّ أنه لما أتى بالفعل بعد ذلك سقط ذلك الاقتضاء، وأيضاً أن تفسير أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - يبطل هذا التأويل، [ وروي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه سأل رسول الله - ﷺ وشرف وكرم ومجد وبجل وعظم - أي الأعمال أفضل؟ قال :« الصَّلاَةُ لِمِيقَاتِهَا الأَوَّلِ »
وأيضاً قال ﷺ :« إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي الصَّلاَةَ وَقَدْ فَاتَهُ مِنْ أَوَّلِ الوَقْتِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ »
وأيضاً إنا توافقنا على أن أحد أسباب الفضيلة فيما بين الصَّحابه المسابقة إلى الإسلام حتى وقع الخلاف الشَّديد بين أهل السُّنة وغيرهم أن أبا بكر أسبق إسلاماً أم عليّاً رضي الله عنهما، وما ذاك إلا لاتفاهم على ان المُسَابقة في الطاعة توجب مزيد الفضل.
[ وقال ﷺ في خطبة له :« بَادِرُوا بِالأعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تَشْتَغِلُوا » والصَّلاة من الأعمال الصالحة ].
وأيضاً تعجيل حقوق الآدميين أفضل من تأخيرها، فوجب أن يكون [ الحال في أداء ] حقوق الله - تعالى - كذلك لرعاية التعظيم.
وأيضاً المبادرة والمسارعة إلى الصلاة إظهار للحصر على الطاعة، والولوع بها، والرغبة فيها وفي التأخير كَسَلٌ عنها، فيكون الأول أَوْلى.
[ وأيضاً فإن المبادرة احتياط، لأنه إذا أدَّاها في أوّل الوقت تفرغت ذمته، وإذا أخّرها ربما حصل له شغل، فمنعه من أدائها، فالوجه الذي يحصل به الاحتياط أولى.
فإن قيل : تنتقض هذه الدلائل بالظّهر في شدة الحر، وبما إذا حصل له إدْرَاك الجماعة، أو وجود الماء.
قلنا : التأخير في هذه المواضع لأمور عارضة، والكلام إنما هو في مقتضى الأصل ].
فصل في التغليس في صلاة الفجر
قال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - التَّغْليس في صلاة الفجر أفضل، وهو مذهب أبي بكر وعمر، وقول مالك وأحمد رضي الله عنهم.
وقال أبو محمد : يستحب أن يدخل فيها بالتّغليس.
واحتج الأولون بما تقدم من الآية، وبما روت عائشة رضي الله عنها قال : كان رسول الله ﷺ وشرف وكرم ومجد وبجل وعظم يصلي الصبح، فينصرف والنساء متلفّعات بِمُرُوطِهِنّ ما يعرفهنّ أحد من الغَلَس.
فإن قيل : كان هذا في ابتداء الإسلام حين كان النساء يحضرون الجماعات، فكان النبي ﷺ يصلي بالغَلًس كيلا يعرفن.
وهكذا كان عمر رضي الله عنه يصلي بالغَلَس، ثم لما نُهِين عن الحضور في الجماعات ترك ذلك.
قلنا : الأصل عدم النسخ، وإن سلم النسخ فالمنسوخ إنما هو حضور النساء لا الصلاة.