لما بين حال اليهود والكفار في العَدَاوة والمعاندة وصفهم بما يوجب الحّذَر منهم فقال :﴿ ما يُوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا « فنفى عن قلوبهم الودّ والمحبة لكلّ ما يظهر به فضل المؤمنين.
قوله :{ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ ﴾ : في » من « قولان :
أحدهما : أنها للتعبيض، فتكون هي ومجرورها في محلّ نصب على الحال، وتعلّق بمحذوف أي : ما يودّ الذين كفروا كائنين من أهل الكتاب.
والثاني : أنها لبيان الجنس، وبه قال الزمخشري؛ لأن » الذين كفروا « جنس تحته نوعان أهل الكتاب والمشركون بدليل قوله تعالى :﴿ لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين ﴾ [ البينة : ١ ].
قوله :﴿ وَلاَ المُشْرِكِينَ ﴾ عطف على » أهل « المجرور ب » من « و » لا « زائدة للتوكيد؛ لأن المعنى :﴿ ما يود الذين كفورا من أهل الكتاب والمشركين ﴾ كقوله :﴿ لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين ﴾ [ البينة : ١ ] بغير زيادة » لا «.
وزعم بعضهم أنه مخفوض على الجوار، وأن الأصل ولا المشركون، عطفاً على الذين، وإنما خفض للمجاورة، نحو ﴿ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ [ المائدة : ٦ ] فى قراءة الجر، وليس بواضح.
وقال النحاس : ويجوز : ولا المشركون بعطفه على » الذين « وقال أبو البقاء رحمه الله : وإن كان قد قرىء :» وَلاَ المُشْرِكُونَ « بالرفع فهو عطف على الفاعل، والظاهر أنه لم يقرأ بذلك وهذان القولان يؤيدان ادّعاء الخفش على الجوار.
قوله :» أنْ يُنَزّلَ « ناصب ومنصوب في تأويل مصدر مفعول ب » يؤدّ « أيى : ما يود إنزاله من خير، وبني الفعل للفعول للعمل بالفاعل؛ وللتصيح به في قوله :» مِنْ ربِّكُمْ «، وأتي ب » ما « في النفي دون غيرها؛ لأنها لنفي الحال، وهم كانوا متلبّسين بذلك.
قال القُرْطبي : و » أن « في موضع نصب، أي بأن ينزل.
قوله :» مِنْ خَيْرٍ « هذا هو القائم مقام الفاعل، و » من « زائدة، أي : أن ينزل خير من ربكم.
وحسن زيادتها هنا، وإن كان » ينزل « لم يباشره حرف النفي؛ لانسحاب النفي عليه من حيث المعنى؛ لأنه إذا نفيت الوَدَادَة انتفى متعلّقها، وهذا له نظائر في كلامهم نحو :» ما أظن أحداً يقول ذلك إلاّّ زيد « برفع » زيد « بدلاً من فاعل » يقول « وإن لم يباشر النفي، لكنه قوة :» ما يقول أحد ذلك إلاَّ زيد في ظني «.
وقوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ ﴾ [ الأحقاف : ٣٣ ] زيدت » الباء « ؛ لأنه في معنى : أو ليس الله بقادر، وهذا على رأي سيبويه وأتباعه.
وأما الكوفيّون والأخفش فلا يحتاجون إلى شيء من هذا.