وقول الآخر :[ البسيط ]
٨٤٤ - مَا بِالمَدِينَةِ دَارٌ غَيرُ وَاحِدَةٍ | دَارُ الخَلِيفَةِ إِلاَّ دَارُ مَرْوَانَا |
الرابع : أن « إلا بمعنى بعد، أي : بعد الذين ظلموا، وجعل منه قول الله تعالى :﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى ﴾ [ الدخان : ٥٦ ].
وقوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [ النساء : ٢٢ ] تقديره : بعد الموتة، وبعد ما قد سلف، هذا من أَفْسَد الأقوال، وأنكرها، وإنما ذكرته لغرض التنبيه على ضعفه.
و » الذين « في محل نصب على الاستثناء على القولين اتّصالاً وانقطاعاً، وأجاز قطرب أن يكون في موضع جَرّ بدلاً من ضمير الخطاب في » عليكم «، والتقدير : لئلا تثبت حجّة للناس على غير الظالمين منهم، وهم أنتم أيها المخاطبون بتولية وجوهكم إلى القِبْلة.
ونقل عنه أنه كان يقرأ :» إلاَّ على الذين « كأنه يكرر العامل في البدل على حَدْ قوله :﴿ لِلَّذِينَ استضعفوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ﴾ [ الأعراف : ٧٥ ].
وهذا عند جمهور البصريين ممتنع؛ لأنه يؤدي إلى بدل ظاهر من ضمير حاضر بدل كلّ من كل، ولم يجزه من البصريين إلا الأخفش، وتأول غيره ما ورد من ذلك.
وأما قراءة ابن عباس ب » ألا « للاستفتاح، ففي محل » الذين « حينئذ ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنه مبتدأ، وخبره قوله :» فَلاَ تَخْشَوْهُمْ «، وإنما دخلت » الفاء « في الخبر؛ لأن الموصول تضمن معنى الشرط، والماضي الواقع صلة مستقبل معنى كأنه قيل : من يظلم الناس فلا تخشوهمن ولولا دخول الفاء لترجّح النصب على الاشتغال، أي : لا تخشوا الذين ظلموا لا تخشوهم.
الثاني : أن يكون منصوباً بإضمار فعل على الاشتغال، وذلك على قول الأخفش، فإنه يجيز زيادة الفاء.
الثالث : نقله ابن عطية أن يكون منصوباً على الإغراء.
ونقل عن ابن مجاهد أنه قرأ :» إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا « وجعل » إلى « حرف جر متأولاً لذلك بأنها بمعنى » مع «، والتقدير : لئلا يكون للناس عليكم حجة مع الذين، والظاهر أن هذا الراوي وقع في سمعه » إلا الذين « بتخفيف » إلاَ « فاعتقد ذلك فيها، وله نظائر مذكورة عندهم.
و » فم « في محل نصب على الحال فيتعلّق بمحذوف، ويحتمل أن تكون » من « للتبعيض، وأن تكون للبيان.
فصل في الكلام على هذه الحجة
اعلم ان هذا الكلام يوهم حِجَاجاً وكلاماً تقدم من قبل في باب القِبْلَةِ عن القوم فأراد الله تعالى أن يبين أن تلك الحجّة تزول الآن باستقبال الكعبة.
وفي كيفية تلك الحجة روايات :
إحداها : أن اليهود قالوا : تخالفنا في ديننا وتتبع قبلتنا.
وثانيها : قالوا : ألم يدر محمد أين يتوجه في صلاته حتى هديناه؟
وثالثها : أن العرب قالوا : إنه كان يقول : أنا على دين إبراهيم، والآن ترك التوجه إلى الكعبة، ومن ترك التوجّه إلى الكعبة، فقد ترك دين إبراهيم - ﷺ - فصارت هذه الوجوه وَسَائِلَ لهم إلى الطعن في شرعه ﷺ، إلاّ أن الله - تعالى - لما علم أن الصلاح في ذلك أوجب عليهم التوجه إلى بيت المقدس لما فيه المصلح في الدين؛ لأن قولهم لا يؤثر في المصالح، وقد بينا من قبل تلك المصلحة وهي تمييز من اتبعه ب » مكة « ممن أقام على تكذيبه فإن ذلك الامتياز ما كان يظهر إلا بهذا الجنس ولما انتقل ﷺ إلى المدينة تغيرت المصلحة، فاقتضت الحكمة تحويل القبلة إلى الكعبة، فلهذا قال الله تعالى :» لئلا يكون للناس عليكم حجة يعني أنّ تلك الشبهة التي ذكروها تزول بسبب هذا التحويل، ولما كان فيهم من المعلوم من حاله أن يتعلق عند هذا التحويل بشبهة أخرى، وهو قول بعض العرب : إن محمداً ﷺ - عاد إلى ديننا في الكَعْبة وسيعود إلى ديننا بالكلية، وكان التمسك بهذه الشبهة، والاستمرار عليها سبباً للبقاء على الجهل والكفر، وذلك ظلم [ للنفس ] على ما قال تعالى :