﴿ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الفجار لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [ الانفطار : ١٣ - ١٤ ]، وقال :﴿ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ [ الكهف : ٢٩ ].
وقال :﴿ إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار ﴾ [ النساء : ١٤٥ ] وقال ﴿ افالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِي جَنَّاتِ النعيم ﴾ [ الحج : ٥٦ ].
والقول الأول هو المشهور ويدل عليه وجوه :
أحدها : الآيات الدالة على عذاب القبر كقوله تعالى :﴿ قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين ﴾ [ غافر : ١١ ]، [ والموتتان لا تحصلان إلا عند حصول الحياة في القبر ] وقال الله تعالى :﴿ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً ﴾ [ نوح : ٢٥ ] و « الفاء » للتعقيب.
وقال :﴿ النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب ﴾ [ غافر : ٤٦ ] وإذا ثبت عذاب القبر وجب القول بثواب القبر أيضاً؛ لأن العذاب حقّ الله - تعالى - على العبد، والثواب حق للعبد على الله تعالى.
وثانيها : أن المعنى لو كان على ما قيل في القول الثاني والثالث لم يكن لقوله : وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ « معنى؛ لأن الخطاب للمؤمنين، وقد [ كانوا يعلمون أنهم ماتوا على هدى وكون أنهم ] كانوا لا يعلمون؛ أي أنهم سيحيون يوم القيامة.
وثالثها : أن قوله تعالى :﴿ وَيَسْتَبْشِرُونَ بالذين لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم ﴾ [ آل عمران : ١٧٠ ] دليل على حصول الحياة في البَرْزَخِ قبل البعث.
ورابعها : قوله ﷺ »
أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَاب القَبْرِ « وقوله :» القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النيران «
وخامسها : أنه لو كان المراد من قوله :»
إنهم أحياء « أنهم سيحيون، فحينئذ لا يبقى لتخصيصهم بهذا فائدة.
قال القرطبي : والشهداء أحياء كما قال الله تعالى : وليس معناه أنهم سيحيون، إذ لو كان كذلك لم يكن بين الشهداء وبين غيرهم فرق إذ كل أحد سَيَحْيَا.
ويدل على هذا قوله تبارك وتعالى :﴿ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ ﴾ والمؤمنون يشعرون أنهم سيحيون.
وأجاب عنه أبو مسلم بأنه - تعالى - إنما خصهم بالذكر؛ لأن درجتهم في الجنة أرفع، ومنزلتهم أعلى وأشرف لقوله تعالى :﴿ وَمَن يُطِعِ الله والرسول فأولئك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين ﴾ [ النساء : ٦٩ ] فأرادهم بالذكر تعظيما.
قال ابن الخطيب : هذا الجواب ضعيف؛ لأن منزلة النبيين والصديقين أعظم مع أن الله - تعالى - ما خصهم بالذكر.
وفي هذا الجواب نظر؛ لأن الآية الكريمة ليست في النبيين والصديقين، إنما هي في الشهداء.
واحتج أبو مسلم بأنه - تعالى - ذكر هذه الآية في »
آل عمران « فقال :﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [ آل عمران : ١٦٩ ] وهذه العندية ليست بالمكان، بل بالكون في الجنة، ومعلوم أن أهل الثواب لا يدخلون الجنة إلا بعد القيامة.
وقال ابن الخطيب : لا نسلم أن هذه العندية ليست إلا بالكون في الجنة، بل بإعلاء الدرجات، وإيصال البشارات إليه، وهو في القبر، أو في موضع آخر.
وقال بعضهم : ثواب القبر وعذابه للروح لا للقالب، والكلام في هذه المسألة مذكور في غير هذا المكان.


الصفحة التالية
Icon