﴿ وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ﴾ [ التوبة : ٤١ ] وقد يحصلُ الجُوعُ في سفر الجِهَادِ عند فَنَاءِ الزَّادِ؛ قال الله تعالى :﴿ ذلك بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ الله ﴾ [ التوبة : ١٢٠ ].
وأما نقص الثمرات فقد يكون بالجَدْب، وقد يكون بترك عِمَارة الضِّيَاع للاشتغال بجهاد الأعداء، وقد يكون ذلك بالإنْفَاق على من كان يَرِدُ على رسول الله - ﷺ - من الوفود.
قال الشافعي رضي الله عنه : الخوف : خوف الله تعالى، والجوع : صيام شهر رَمَضان، والنقص من الأموال : بالزكوات والصدقات، ومن الأنفس بالأمراض، ومن الثمرات، موت الأولاد.
قولهُ تَعَالى :« وَنَقْصٍ » فِيه وَجْهان :
أَحدُهُما : أَنْ يكُونَ معطوفاً على « شَيْءٍ »، والمعنى : بشيءٍ من الخَوْفِ وبنقص.
والثَّانِي : أن يكون مَعْطوفاً على الخَوْفِ، أَيْ : شيءٌ من نقص الأموال.
والأول أَوْلَى؛ لاشتراكهما في التنكير.
قَوْلَهُ :« مِنَ الأَمْوَالِ » فيه خَمْسة أَوْجُه :
أَحدها : أَنْ يكونَ مُتعَلقاً ب « نقص » ؛ لأنه مصدر « نقص »، وهو يتعدَّى إلى واحدٍ، وقد حُذِف، أَيْ : ونقص شيء مِنْ كَذا.
الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ في محلّ جَرٍّ صفة لذلك المحذوف، فيتعلّق بمحذوف، أي ونقص شيء كائن من كذا.
الثَّالِثُ : أَنْ يكونَ في محلِّ نَصْبٍ صفَةً لمفعول مَحْذُوفٍ نصب بهذا المصدر المنون، والتقديرُ : ونقصُ شيء كَائِنٌ من كذا، ذكره أَبُوا الْبَقَاء.
ويكونُ مَعنى « منْ » على هذين الوجهين التَّبْعِيضُ.
الرَّابعُ : أَنْ يكون في محل جرِّ صِفَةً ل « نَقص »، فيتعلق بمحذوف أيضاً، أَيْ : نقص كائن من كذا، وتكونُ « مِنْ » لابتداء الغَايَةِ.
الخِامِسُ : أن تكون « مِنْ » زائدةً عن الأَخْفَشِ، وحينئذ لا تعلّق لها بِشَيْءٍ.
قوله تعالى :« وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ » الخِطَابُ لرسول الله ﷺ، ولمن أتَى بَعْدَهُ من أمته، أي : الصابرين على ابَلاَءِ والرَّزَايا، أي بشرهم بالثواب على الصبر، والصبر أصله الحبس وثوابه غير مقدر، ولكن لاَ يكُون ذلك إلا بالصَّبْر عند الصَّدْمَة الأولى [ لقوله عليه الصلاةُ والسَّلامُ :« إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُوْلَى » ] أي الشاقة على النفس الذي يَعْظُمُ الثوابُ عليه، إنما هو عند هُجُوم المُصيبة ومَرَارتها.
والصَّبْرُ صَبْرانِ؛ صَبْرٌ عن معصية الله تعالى فهذا مُجَاهِدٌ، والصبرُ عَلَى طَاعَةِ الله فهذا عَابِدٌ.