في قوله :« الَّذِينَ » أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ.
أحدُها : أَنْ يكُونَ منصوباً على النَّعْتِ للصابرين، وهو الأَصُحّ.
الثَّانِي : أن يكون مَنْصُوباً على المدْحِ.
الثَّالِثُ : أن يكون مَرْفُوعاً على خبر مبتدأ محذوف، أَيْ هُمُ الذينَ، وحينئذٍ يحتمل أن يكون على القطع، وأَنْ يكونَ على الاستئنافِ.
الرَّابُعُ : أَنْ يَكُون مُبْتَدأً، والْجُمْلَةُ الشرطية مِنْ « إِذا » وَجَوابِهَا صلةٌ، وخبرَهُ ما بعده مِنْ قولِه :﴿ أولئك عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ ﴾.
قولُه تعالى :﴿ أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ﴾.
والمصيبةُ :[ كُلُّ ما يُذي المؤْمِنَ وَيصِيبُهُ ]، يقالُ : أَصابَهُ إِصَابَة ومُصَابة ومُصَاباً.
والمصيبةُ : وَاحِدُ المَصَائب.
والمَصُوبَةُ « بضم الصَّادِ » مِثْلُ المصيبَةِ.
وأجمعتِ العربُ على هَمْزِ المَصَائب، وأَصْلُهُ « الواو »، كَأَنَّهم شَبَّهوا الأَصْلي بالزائد ويُجْمَعُ على « مصاوب »، وهو الأصْلُ، والمُصَابُ الإِصَابةُ، قال الشاعر :[ الكامل ]
٨٤٧ - أَسُلَيْمُ إِنَّ مُصَابَكُمْ رَجُلاً | أَهْدَى السَّلاَم تَحِيَّة طُلْمُ |
والمُصِيبَةُ : النَّكْبَةُ يُنْكَبُها الإنسانُ وإِنْ صَغُرَتْ، وتستعمل في الشر.
قولهُ تعالى :« إِنَّا لِلَّهِ » إِنَّ وَاسْمَها وخَبَرَها في محلِّ نَصْبٍ بالقول، والأصلُ : إِنَّنَا بثلاث نوناتٍ، فحُذِفَتِ الأخيرةُ من « إِنَّ » لا الأُولَى، لأنه قد عُهِدَ حَذْفُها، ولأنها طرفٌ من الأطرافِ الأَوْلَى بالحذْفِ، لا يُقالُ : إنها لو حُذِفَتِ الثانيةُ لكانت مُخَفَّفةً، والمخففةُ لا تعمل على [ الأَفْصَح ] فكان يَنْبَغِي أَنْ تُلْغَى، فينفصل الضميرُ المرفوعُ حِينَئذٍ، إذْ لاَ عَمَلَ لهَا فيه، فدل عَدَمُ ذلك على أن المَحْذُوف النُّونُ الأُولَى لأن هذا الحذفَ حَذْفٌ لِتَوالِي الأَمْثَالِ لا ذلك الحذفُ المعْهُودُ في « إن » وأصابَتْهُمْ مُصيبةٌ من التَّجانُسِ المغاير؛ إذْ إِحْدَى كَلِمتِي المادَّةِ اسمٌ والأُخْرَى فِعْلٌ، ومثله :﴿ أَزِفَتِ الآزفة ﴾ [ النجم : ٥٧ ] ﴿ وَقَعَتِ الواقعة ﴾ [ الواقعة : ١ ].
فصل في الكلام على الآية.
قال بَعْضُهُم :« إِنَّا لِلَّهِ » إقرارٌ مِنَّا له بالمُلْكِ، « وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ » إِقْرارٌ على أنفُسنا بالهَلاَك، لا بمعنى الانتِقَال إلى مَكَانٍ أَوْ جِهَةٍ فإن ذلك على اللَّه مُحَال، بل المرادُ أنه يَصيرُ إلى حَيثُ لا يَمْلِكُ الحُكْمَ سواه، وذلك هو الدَّارُ الآخرَةُ؛ لأَنَّ عند ذلك لا يَمْلكُ لهم أحدٌ نفعاً ولا ضرّاً، وما دَامُوا في الدنيا، قَدْ يَمْلِكُ غيرُ اللَّهِ نفعَهُمْ وضرهم بحسب الظاهِر، فجعل اللَّهُ - تعالى - هذا رُجُوعاً إليه تعالى، كما يُقالُ : إن المُلْكَ والدولة ترجعُ إليه لاَ بمعنى الانْتِقَالِ بل بمعنى القُدْرة، وترك المُنَازَعةِ.
وقال بعضهم :﴿ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ ﴾ في الآخرة.
[ رُويَ عَنِ النَّبِيّ - ﷺ - أنه قَالَ :« مَنِ اسْتَرْجَعَ عِنْدَ المُصِيْبَةِ جَبَرَ اللَّهُ مُصِيبَتُهُ، وأَحْسَنَ عُقْبَاهُ، وَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ خَلَفاً صَالِحاً يَرْضاه »
وروي أنه طُفِئ سِرَاجُ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - فقال :﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجُعونَ ﴾.