فقال :« إنا لله وإنّا إليه راجعون »، فقيل : مُصِيبَةٌ هِيَ؟ قال :« نَعَمْ، كُلّ شَيْءٍ يُؤْذِي المُؤْمِنَ فَهُوَ مُصِيْبَةٌ »
وقالت أُمُّ سَلَمَةَ : حدثني أَبُو سَلَمَةَ، أنه عليه الصلاةُ والسلام قال :« مَا مِنْ مُسْلِمِ يُصابُ مُصِيْبَةً فَيَفْزَعُ إِلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ : إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أُجْرْنِيّ فِي مُصِيْبَتي، وأخْلِفْ لِي خَيْراً مِنْها » قالت : فملا توفي أَبُو سَلَمَة ذكرت هذا الحِديثَ، وقلتُ هذا القولَ، فأخلف اللَّهُ لِيَ محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشرف، وكرم، ومجد وبجل، وعظم.
وقال ابنُ عَبَّاس : أخبر اللَّهُ - تعالى - أن المُؤْمِنَ إِذَا أَسْلَمَ أَمْرَه لِلَّهِ، واسترجَعَ عند مُصَيبَتِهِ كتب اللَّهُ له ثَلاثَ خِصَالٍ : الصَّلاة من الله، والرحمة، وتحقيق سبيل الهدى.
وقال ابنُ مَسْعُودٍ : لأن أَخِرَّ من السماء أحبّ إليّ مِنْ أن أقول لشيءٍ قضاه اللَّهُ : لَيْتَهُ لَمْ يَكُن ].
قال أَبُو بَكْرٍ الرازي : اشتملت الآيةُ الكرِيمَةُ على حُكْمين فَرْضٍ ونَفْل.
أَمَّا الفَرْضُ فهو التَّسْلِيمُ لأمرِ الله تعالى، والرِّضَا بِقَضَائِهِ، والصبرُ على أداءِ فَرَائِضِه، لا يصرف عنها مصائب الدنيا.
وأما النَّفْل فإظهاراً لقولِ :﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾.
[ ذكَرُوا من قولِ هذه الكَلِمةِ فَوائِدَ.
منها : الاشتغالُ بهذه الكلمةِ عن كَلاَم لا يليق.
ومنها : أنها تُسلّي قلبَ المُصَابِ، وتقلّلُ حُزْنَه.
ومنها : تقطَعُ طمع الشَّيْطَانِ في أَنْ يُوَافِقَهُ في كَلاَمٍ لا يَلِيقُ.
ومنها أَنَّهُ إذا سمعه غيرُه اقْتَدَى به.
ومنها : أنه إذا قال بلسَانِه في قَلْبِه الاعتقادَ الحَسَن، فإنَّ الحِسَابَ عند المُصِيبَةِ، فكان هذا القَوْل مذكراً له التَّسْليم لِقَضَاءِ الله وقدره ].
فإن في إظهاره فوائد جزيلة :
مناه أن غيره يقتدي به إذا سمعه.
ومنها غبط الكفار، وعلمهم بجده واجتهاد في دين الله، والثبات عليه وعلى طاعته.
وحكي عن بَعْضِهِم أنه قال : الزهدُ في الدنيا ألاّ يُحِبَّ البقاءَ فِيهَا، وأفضَلُ الأعمالِ الرضا عن الله، ولا ينبَغِي لِلْمُسلِم أن يحزن؛ لأنه يَعْلَمُ أَنَّ لكلِّ مصيبة ثواباً.
قولهُ تعالى :« أُولَئِكَ » مبتدأٌ، و « صَلَوَاتٌ » مبتدأٌ ثان، و « عَلَيْهِمْ » خبرهُ مُقَدَّمٌ عليه، والجملةُ خبر قوله :« أُولَئِكَ ».
ويجوز أن تكون « صلوات » فاعلاً بقوله :« عليهم ».
قال أبو البقاء : لأنه قد قوي بوقوعه خبراً.
والجملة من قوله « أولئك » وما بعده خبر « الذين » على أحد الأوجه المتقدمة، أو لا محلّ لها على غيره من الأوجه.
و « قالوا » هو العامل في « إذا » ؛ لأنه جوابها وتقدم الكلام في ذلك وأنها هل تقتضي التكرار أم لا؟
قولهُ تعالى :« وَرَحْمَةٌ » عطف على الصلاة، وإن كانت بمعناها، فإن الصلاة من الله رحمة؛ لاختلف اللفظين كقوله :[ الوافر ]


الصفحة التالية
Icon