قال [ الرَّاجِزُ ] :[ الرجز ]
٨٥٠ - كَأَنَّ مَتْنَيْهِ مِنَ النَّفِيِّ | مَوَاقِعُ الطَّيْرِ عَلَى الصُّفِيِّ |
وفي كتاب الخَلِيل : الصَّفَا : الحَجَرُ الضَّخْمُ الصُّلْبُ الأَمْلَسُ، وإذا [ نَعتُوا ] الصَّخْرةَ، قالوا : صَفَاةٌ صَفْوَاءُ، وإذَا ذَكَّرُوا، قالوا :« صَفاً صَفْوَان »، فجعلوا الصَّفَا [ والصَّفَاة ] كَأَنَّهما في معنى واحد.
قال المُبَرِّدُ :« الصَّفَا » : كُلُّ حَجَرٍ أَمْلَسَ لا يُخالِطُهُ غَيْرُهُ؛ مِنْ طِين أو تُرَابٍ، وَيَتَّصِلُ به، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ وَاحِدِهِ وَجَمْعِهِ تَاءُ التأنيث؛ نحْوُ : صَفاً كَثِيرٌ، وَصَفَاةٌ وَاحِدَةٌ، وقد يُجْمَعُ الصَّفَا على : فُعُولٍ، وأَفْعَال؛ قالوا : صُفِيٌّن بِكَسْر الصاد، وضَمِّها؛ كُعِصيٍّ، [ وأصْفَاء ]، والأصلُ صُفووٌ، وأضْفَاوٌ، وقُلِبَتِ الواوُ في « صُفُووٌ » يَاءَين، والواوُ في « أَصْفَاء » هَمْزةً؛ ك « كِسَاء » وبابه ].
والمَرْوَةُ : الحجارةُ الصِّغَارُ، فقيل : اللَّيِّنَة.
وقال الخَلِيلُ : البيضُ الصُّلْبَة، الشَّدِيدَةُ [ الصَّلاَبة ].
وقِيل : المُرْهَفةُ الأَطْرافِ. وقِيل : البيضُ.
وَقِيلَ : السُّودُ. وهُمَا في الآية عَلَمَان لِجَبَلَينِ مَعْرُوفَيْنِ، والألِفُ واللاَّمُ فيهما لِلْغَلَبَةِ؛ كهما في البيت، والنَّجْم، وجَمْعُها مَرْوٌ؛ كقوله [ في ذلك ] :[ الرمل ]
٨٥١ - وَتَرَى المَرْوَ إذَا ما هَجَّرَتْ | عَنْ يَدَيْهَا كَالْفَرَاشِ المُشْفَتِرْ |
٨٥٢ - حَتَّى كَأَنِّي لِلْحَوِادِثِ مَرْوَةٌ | [ بِصَفَا المُشَقَّرِ كُلَّ يَوْمٍ تُقْرَع ] |
فصل في حد الصفا والمروة
قال الأَزْرَقِيّ :[ ذَرْعُ ] ما بَيْن الصَّفا والمَرْوَة :[ سَبْعمائة ذراع وسِتَّةٌ وَسِتُّون ذِرَاعاً ] وَنِصْفُ ذِرَاع.
قال القُرْطُبِيُّ : وَذَكَرَ الصَّفَا؛ لأنَّ آدَمَ [ المُصْطَفى - [ صلواتُ الله، وسلامه عليه ] - وَقَفَ عَلَيْهِ، فسُمِّيَ به؛ وَوَقَفَتْ حضوَّاءُ عَلَى المَرْوَةِ، فَسُمِّيَتْ بِاسم المَرْأة، فأنثت لذلك، والله أعلم ].
قَالَ الشَّعْبِيُّ : كان عَلَى الصَّفَا صنمٌ يُدْعَى « إسَافاً »، وعلى المَرْوَةِ صَنَمٌ يُدْعَى نَائِلَةَ، فاطّرد ذلك في [ التذكير والتأنيث ]، وقُدّم المُذَكَّرُ، وما كان كَرَاهةُ مَنْ كَرِهَ الطَّوَافَ بينهما إلاَّ مِنْ أَجْلِ هذا، حتَّى رفع الله الحَرَجَ من ذلك، وزعَمَ أَهْلُ الكِتَابِ : أَنَّهما كانا آدميّين زنيا في الكَعْبَة، فمسَخَهُما اللَّهُ حَجَرَين، فوضَعَهُما على الصَّفَا، والمَرْوَة؛ ليُعتبر بهما؛ فلمَّا طالبت المُدَّةُ، عُبدا مِن دُون الله، والله - تعالى - أعلم.
فصل في معنى « الشعائر »
و « الشَّعَائرُ » : جَمْهُ شَعِيرَةٍ، وهي العلامة، فَكُلُّ شَيْءٍ جُعِلَ عَلَماً مِنْ أعلام طاعةِ الله، فهو من شَعَائِر الله تعالى. قال تبارك وتعالى :﴿ والبدن جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله ﴾ [ الحج : ٣٦ ]، أي : عَلامَةً [ للقُرْبَةٍ، ومنه : إشعارُ السَّنَام [ وَهُو أن تُعْلَمَ بالمُدْيَة ] وَمِنْهُ : الشِّعارُ في الحَرْب، [ وهي العلامةُ الَّتي يتبيَّن بها إحدى الفئَتَين من الأخْرَى ] ومنه قولُهُمْ : شَعَرْتُ بِكَذَا، أي : عَلِمْتُ به، وقيل : الشَّعَائِرُ جمع [ شَعِيرَةٍ ]، والمرادُ بها في الآية الكريمة مَنَاسِكُ الحَجِّ، ونقل الجَوْهَرِيُّ أنَّ الشَّعَائِرَ هي العباداتُ، والمَشَاعِرَ أماكنُ العبَادَاتِ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الشَّعَائِرِ وَالمَشَاعِرِ.