وقال الهَرَوِيٌّ : الأجْوَدُ : لا فَرْقَ بينهما، والأَجْوَدُ شَعَائرُ بالهَمْز؛ لزيادة حَرْفِ المَدِّ، وهو عكسُ « مَعَايش » و « مصايب ».
فصل في الشعائر هل تحمل على العبادات أو على موضع العبادات
الشَّعَائِرُ : إمَّا أنْ نَحْمِلَهَا على العبادات، أو النُّسُك، أو نَحْمِلَهَا على مَوْضِع العبادات والنُّسُكِ؟!
[ فإن قُلْنَا بالأَوَّلِ، حَصَلَ في الكَلاَم حَذْفٌ؛ لأنَّ نَفْسَ الجَبَلين لا يَصِحُّ وَصْفُهُمَا بأنَّهُمَا دِينٌ وَنُسُكٌ؛ فالمرادُ بِهِ أنَّ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا أو السَّعْيَ مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى.
وإنْ قُلنا بالثاني : اسْتَقَامَ ظَاهِرُ الكلام؛ لأنَّ هَذَين الجَبَلَيْنِ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَا مَوْضِعَيْنِ لِلْعِبَادَةِ والنُّسُكِ ].
وكيف كان؛ فالسَّعْيُ بينهما من شعائر الله، ومن أعلام دِينهِ، وقد شَرَعَهُ الله [ تَعَالى ] لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - ﷺ - [ لإبْرَاهِيمَ ﷺ ]، قبل ذلك، وهو من المَنَاسِكِ الَّتي عَلَّمها الله [ تَعَالى ] لإبْرَاهِيمَ - ﷺ - إجابةً لِدَعْوَتِهِ في [ قولِهِ تَعَالى ] :﴿ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ﴾ [ البقرة : ١٢٨ ]. وَاعْلَمْ أنَّ [ السَّعْيَ ليْسَ ] عبادَةٌ تامَّةٌ في نَفْسِهِ، بل إنما يَصِيرُ عبادة إذا صار بعضهاً من أبْعاضِ الحجِّ والعُمْرَةِ، فلهذا بَيَّنَ الله تبارك وتعالى المَوْضِعَ الَّذِي يَصِيرُ فيه السَّعْيُ عبادةً، فقال [ سبحانه ] :﴿ فَمَنْ حَجَّ البيت أَوِ اعتمر فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾.
والحكمةُ في شَرْعِ هذا السّعي : ما حُكِيَ أن هَاجَرَ حينَ ضاق بها الأَمْرُ في عَطَشها، وعطشِ ابْنها إسْمَاعيلَ، سَعَتْ في هذا المكانِ إلى أن صَعِدَتِ الجَبَلَ، ودَعَتْ، فأَنْبَعَ اللَّه لَهَا زَمْزَمَ، وأجاب دُعَاءَها، وجعل فِعْلَها طاعةً لجميع المكلَّفين إلى يَوْم القيَامَة.
قوله [ تعالَى ] :« فَمنْ حَجَّ البَيْتَ ».
« مَنْ » : شَرْطِيَّةٌ في محلِّ رفع بالابتداء و « حَجَّ » : في مَوْضِع جزمٍ بالشرط و [ البيت « نصبٌ على المفعول به، لا على الظَّرْف، والجوابُ قوله :﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ ﴾.
و » الحَجُّ « : قال القَفَّال - رحمه الله - فِيه أَقْوَالٌ :
أحدها : أنَّ الحَجَّ في اللغةِ كَثْرَةُ الاخْتِلافِ إلى الشَّيءِ والتردُّد إليه، فإنَّ الحاجَّ يأتيه أوّلاً؛ لِيَزُورَهُ، ثُمَّ يعودُ إلَيْه للطَّوَاف، ثم ينصرفُ إلى مِنَى، ثم يَعُودُ إليه؛ لطَوَافِ الزِّيارة، [ ثم يَعُودُ لطَوافِ الصَّدر ].
وثانيها : قال قُطْرُبٌ [ الحَجُّ ] الحَلْقُ، يقال : احْجُجْ شَجَّتَكَ، وذلك أن يقطع الشعر من نواحي الشَّجَّة؛ ليدخل القدحُ في الشَّجَّة.
وقال الشاعر :[ الطويل ]
٨٥٣ - وَأشْهَد مِنْ عوفٍ حُلُولاً كَثِيرَةً | يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبْرِقَانِ المُعَصْفَرَا |
٨٥٤ - لاَ تَسُبَّنَّني فَلَسْتَ بِسِبِّي | [ إنَّ سِبِّي ] مِنَ الرِّجَالِ الكَرِيم |
قال المُخَبَّلُ السَّعْدِيُّ :[ الطويل ]
٨٥٥ -.................... | يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبْرِقَانِ المُعَصْفَرَا |