قال ابو حيان : وذهل عن القاعدة، هي أنه لابد من ضمير يعود من الجزاء على اسم الشرط، و « ما » في قوله :« ما ننسخ » شرطية، وقوله :« أو ننسأها » عائد على الآية، وإن كان المعنى ليس عائداً عليهها من حيث اللفظ والمعنى، بل إ‘نما يعود عليها من حيث اللفظ فقط نحو : عندي درهم ونصفه، فهو في الحقيقة على إضمار « ما » الشرطية، التقدير : أو ما ننسأ من آية ضرورة أن المنسوخ غير المنسوء، ولكن يبقى قوله : ما ننسخ من آية مفلتاً من الجواب؛ إذ لا رابط يعود منه إليه، فبطل هذا المعنى الذى قاله.
والنسخ في اللغة هو الإزالة من غير بدل يعقبه، يقال : نسخت الكتاب : إذا نقلته، وتناسخ الأرواح، وتناسخت القرون.
وتناسخ المواريث إنما هو التحول من واحد إلى آخر بدلاً من الاول.
دليل الاول أنه إذا نسخه الأثر والظّل، فهو إعدامه؛ لأنه قد لا يصحل الظل في مكان آخر حتى يظن أنه انتقل إليه.
وقال تعالى :﴿ فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان ﴾ [ الحج : ٥٢ ] أي : فيزيله ويبطله، والأصل في الكلام الحقيقة. وإذا ثبت كون اللفظ حقيقة في الإبطال وجب ألاَّ يكون حقيقة في النقل دفعاً للاشتراك.
فإن قيل : الريح والشمس ليسا مزيلين للأُر والظل في الحقيقة، وإنما المزيل في الحقيقة هو الله تعالى وإذا كان ذلك مجازاً امتنع الاستدلال به على كون اللفظ حقيقة في مدلوله، ثم نعارض ما ذكرتموه، [ ويقال ] : النسخ هو النقل والتحويل، [ ومنه نسخه الكتاب إلى كتاب آخر، كأنه ينقله إليه، أو ينقل حكياته ] كما قلنا في نسخ الكتاب والأرواح والقُرون والمواريث، فإنه تحويل من واحد إلى آخر.
وإذا كان كذلك فيكون حقيقة في النقل مَجَاز في الإبطال دفعاً للشتراك.
[ وأجيب ] عن الأول من وجهين :
أحدهما : أنه لا يتمنع أن يكون الله تعالى، هو الناسخ لذلك من حيث إنه فعل التشمس والريح والمؤثرتين في تلك الإزالة، ويكونان ناسخين لكونهما مختصين بذلك التأثير.
والثانيك أن أ÷ل اللغة إنما أخطئوا في إضافة النسخ إلى الشمس والريح، فَهَبْ أنه لكن تمسكنا بإطلاقهم لفظ النسخ على الإزالة لإسنادهم هذا الفعل إلى الريح والشمس.
وعن الثاني : أن النقل أخصّ من الإبطال، لأنه حيث وجد النقل، فقد عدمت صفة، وحصل عقيبها صفة أخرى، فإن مطلق العدم أهم من عدمه يحصل عقيبه شيء آخر، وإذا دار اللَّفظ بين الخاص والعام كان جعله حقيقة في العام أولى. وقال آخر :[ والنسخ : الإزالة، وهو في الغة على ضربين :
ضرب فيه إزالة شيء وإقامة غيره مقامه نحه : نسخت الشمس الظل، إذا أزالته وقامت مقامه.
والثاني : أن يزيله كما تزيل الريح الأثر ].