والتقديرُ :﴿ فلا جُنَاحَ عَلَيْهِ في حالِ طَوَافِهِ بهما ﴾ وهذان القولان ساقِطان ذَكَرْتُهُما تنبيهاً على غلطهما.
وقراءةُ الجمهور :« أنَّ يَطَّوَّفَ » بغير « لا » وقرأ أنس، وابن عباس - رضي الله عنهما - وابنُ سيرين، وشهر بن حوشب :« أنْ لاَ يَطَّوَّفَ »، قَالُوا : وكذلك في مُصْحَفَيْ أَبَيٍّ، وعبد الله، وفي هذه القراءة احتمالان :
أحدهما : أنها زائدةٌ؛ كهي في قوله :﴿ أَلاَ تَسْجُدَ ﴾ أعراف : ١٢ ]، وقوله [ الرجز ]
٨٥٩ - وَمَا أُلُومُ البِيضَ أَلاَّ تَسْخَرَا | لَمَّا رَأَيْنَ الشَّمَطَ القَفَنْدَرَا |
والثَّاني : أنَّها غيرُ زائدةٍ : بمعنى : أنَّ رفع الجُنَاح في فعل الشيء، وهو رفعٌ في تركه؛ إذ هو تمييزٌ بَيْنَ الفعلِ والتَّرْك؛ نحو :« فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا » فتكون قراءة الجُمْهُور فيها رفعُ الجُنَاحِ في فِعْلِ الطَّوافِ نَصًّا، وفي هذِهِ رَفْعُ الجُنَاح في التَّرك نصًّا، والجُنَاحُ : أصْلُه من المَيْل؛ من قولهم : جَنَحَ إلى كذا، أي : مال إليه؛ قال سبحانه وتعالى :﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا ﴾ [ الأنفال : ٦١ ] وجَنَحَتِ السَّفينةُ : إذَا لَزِمَت المَاءَ، فلم تَمْضِ.
وقيل للأضْلاَعِ، « جَوَانِحُ » ؛ لاعوجَاجِها، وجَنَاحُ الطَّائِر مِن هذا؛ لأنَّه يَمِيلُ في أَحَدِ شِقَّيْهِ، ولا يطيرُ على مستوى خلقته.
قال بعضهم : وكذلك أيضاً عُرْفُ القرآنِ الكَرِيمِ، فمعناه : لا جُنَاحَ عليه : أي : لا مَيْلَ لأَحدٍ عليه بمطالبَةِ شَيءٍ من الأشياء.
ومنهم من قال : بَلْ هو مختصٌّ بالمَيْل إلى البَاطلِ، وإل ما يؤْلَمُ به.
و « أنْ يَطَّوَّفَ » أي :« يَتَطَوَّفَ »، فأُدْغِمَت التَّاءُ في الطاء؛ كقوله :﴿ ياأيها المزمل ﴾ [ المزمل : ١ ]، ﴿ ياأيها المدثر ﴾ [ المدثر : ١ ] ويقال : طَافَ، وأَطَافَ : بمعنىَ واحدس.
وقرأ الجُمْهُور « يَطَّوَّفَ » بتشديد الطاء، والواو، والأصل « يَتَطَوَّفَ »، وماضيه كان أًله « تَطَوَّفَ »، فلما أرد الإدغام تخفيفاً، قُلِبَتِ التاء طاء، وأُدْغِمَتْ في الطاء، فاحتيجَ إلى هَمزةِ وصْلٍ؛ لِسُكُونِ أوَّله؛ لأجل الإدغامن فأتى بها فجاء مضارعُهُ عليه « يَطَّوَّفَ »، فانحذفت همزة الوصل؛ لتحصُّنِ الحرفِ المُدْغَم بحرف المضارعة ومصْدَره على « التَّطَوُّف » ؛ رجوعاً إلى أصل « تَطَوَّفَ ». وقرأ أبو السَّمَّال :« يَطُوفَ » مخفَّفاً من : طَافَ يَطُوفُ، وهي سهل، وقرأ ابن عباس :« يَطَّافَ » بتشديد الطاء، [ مع الألِفِ، وأصله « يَطتَوف » على وزن « يَفْتَعِل »، وماضيه على « اطْتَوَف » افْتَعَلَ، تحرَّكَتِ الواوُ، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً، ووقعت تاء الافتعال بعد الطاء؛ فوجب قلبها طاء، وإدغام الطاء ] فيها؛ كما قالوا : اطَّلَبَ يَطَّلِبُ، والأصل :« اطْتَلَبَ، يَطْتَلِبُ »، فصار « اطَّافَ »، وجاء مضارعُهُ عيله :« يَطَّافُ » هذا هو تصريفُ هذه اللفْظَة من كون تاء الافْتِعَالِ تُقَلَبُ طاءَ، وتُدْغَمُ فيها الطاءُ الأولى.