وقال ابن عَطِيَّة : فجاء « يَطْتَافُ » أُدْغِمَتِ [ التاءُ بعد الإسكان في الطاء على مَذْهَبِ مَنْ أجاز إدْغَام الثَّاني ] في الأوَّل، كما جاء في « مُدَّكِرٍ » ومن لم يُجِزْ ذَلِكَ، قال : قُلِبَتِ التاءُ طاءً، ثم أدغمت الطاء في الظَّاء، وفي هذا نَظَرٌ، لأنَّ الأصْلِيَّ أُدْغِمَ في الزائدِ، وذلك ضعيفٌ. وقول ابنِ عَطيَّة فيه خطأٌ من وجهين :
أحدهما : كونُهُ يَدَّعِي إدْغَامَ الثَّاني في الأوَّل، وذلك لا نَظِيرَ له، إنَّمَا يُدْغَمْ الأَوَّل في الثَّاني.
والثاني : قوله : كَمَا جَاءَ في « مُدَّكر » ؛ لأنَّه كان يَنْبَغِي على قوله : أن يُقَالَ :« مُذَّكر » بالذَّال المُعَجَمة، لا الدَّال المهملة [ وهذه لغةَ رَدِيئةٌ، إنَّما اللُّغة الجيِّدة بالمهملة؛ لأنَّا قَلَبْنَا تَاءَ الافتعالِ بَعَدَ الذَّال المعجمةِ دَالاً مهملةً ]، فاجتمع متقاربَان، فقلَبْنَا أوَّلَهُما لجنْسِ الثَّاني، وأدغَمْنَا، وسيأتي تحقيقُ ذلك.
ومصدر « أطَّافَ » على « الأطِّيَافِ » بوزن « الافْتِعَالِ »، والأصلُ « اطِّوَافِ » فكسر ما قبل الواو، فقُلِبَتْ ياءً، وإنَّمَا عادَتِ الواوُ إلى أصْلها؛ لزوالِ مُوجِبِ قَلْبها ألفاً؛ ويوضِّح ذلك قولهم : اعْتَادَ اعْتِيَاداً والأصل :« اعْتِوَادٌ » ففُعِلَ به ما ذكرتُ [ لك ] :
قوله تعالى :{ « وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً » قرأ حَمْزَةُ والكِسَائيُّ « يَطَّوَّعْ » هنا وفي الآية الَّتي بعدها بالياء وجزم العين فعلاً مضارعاً.
قال ابن الخَطِيبِ - رحمه الله - : وهذا أحْسَنُ أيضاً؛ لأنَّ المعنى على الاسْتقْبَال والشرط، والجزاء، والأحْسَنُ فيهما الاستقبال، وإن كان يَجُوز أن يقال :« مَنْ أتَانِي أَكْرَمْتُهُ ».
وقراها الباقُونَ بالتاء فعلاً ماضياً، فأما قراة حَمْزَة، فتكون « مَنْ » شرطيَّةً، فتعمل الجَزْمَ، وافق يَعْقُوبُ في الأُوْلَى، وأصل « يَطَّوَّعُ » « يَتَطَوَّعُ » فأدغمَ على ما تقدَّم في « تَطَوَّفَ »، و « مَنْ » في محل رفع بالابتداء، والخَبَر فعْلُ الشَّرْطِ؛ على ما هو الصحيح كما تقدَّم تحقيقُهُ.
وقوله :« فإنَّ اللَّه » جملةٌ في محلِّ جَزْمٍ، لأنَّها جوابُ الشَّرط، ولا بُدَّ مِن عائِد مقدَّر، أي : فإنَّ الله شاكِرٌ له.

فصل


قال أبو البَقَاءِ : وإذا جُعِلَتْ « مَنْ » شَرْطاً، لم يَكُنْ في الكلام حَذْفُ ضمير؛ لأنَّ ضمير « مَنْ » في « تَطَوَّعَ » وهذا يخالفُ ما تقدَّم عن النُّحَاةِ؛ من أنَّ إذَا كَانَ أدَاةُ الشَّرطِ اسماً، لَزِمَ أن يكون في الجواب ضميرٌ يَعُودُ عليه، وتقدَّم تحقيقه.
وأما قراءةُ الجُمْهُور، فتحملُ وجْهَيْن :
أحدهما : أن تكون شرطيَّةً، والكلام فيها كما تَقَدَّمَ.
والثاني : أن تكون موصولةً، و « تَطَوَّعَ » صلتها، فلا محَلَّ لها من الإعراب حينئذٍ، وتكون في مَحَلِّ رفْع بالابتداء أيضاً، و « فإِنَّ الله » خبَرُهُ، ودَخلَتِ الفاءُ؛ لما تضمَّن « مَنْ » مَعْنى الشَّرط، والعائدُ محذوفٌ كما تقدَّم، أي : شَاكِرٌ لَهُ.


الصفحة التالية
Icon