والثاني : أنه عطفٌ على « أَحْيَا ».
واستشكل أبو حيَّان عطفه [ عليها؛ لأنَّها صلةٌ للموصول، فلا بُدَّ من ضمير يرجع من هذه الجملة إليه، وليس ثمَّ ضميرٌ في اللَّفظ ] ؛ لأن « فيها » يعود على الأَرْض، فبقي أن يكون محذوفاً، تقديره : وبَثَّ به فيها، ولكن لا يجوز حذف الضمير المجرورة بحرف إلا بشروطٍ :
أن يكون الموصول مجروراً بمثل ذلك الحرف.
وأن يتَّحِد متعلَّقهما.
وألاَّ يُحْصَرَ الضَّميرُ.
وأن يتعيَّن للرَّبط.
وألا يكون الجارُ قائماً مقام مرفوعٍ.
والموصول هنا غير مجرورٍ ألبتَّة، ولمَّا استشكل هذا بما ذكر، خرَّج الآية على حذف موصول اسميٍّ؛ قال : وهو جائزُ شائعٌ في كلامهم، وإن كان البصريُّون لا يجيزُونه؛ وأنشد شَاهِداً عليه :[ الخفيف ]

٨٦٦ - مَا الَّذِي دَأْبَهُ احْتِيَاطٌ وَحَزْمٌ وَهَوَاهُ أَطَاعَ يَسْتَوِيَانِ
أي : والَّذي أَطَاعَ؛ وقوله :[ الوافر ]
٨٦٧ - أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
أي : ومن [ يَمْدَحُهُ ] وَيَنْصُرُهُ.
وقوله :[ الطويل ]
٨٦٨ - فَوَاللَّهِ، مَا نِلْتُمْ وَمَا نِيلَ مِنْكُمُ بِمُعْتَدِلٍ وَفْقٍ وَلاَ مُتَقَارِبِ
أي :« مَا الَّذِي نِلْتُمْ »، وقوله تعالى :﴿ وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾ [ العنكبوت : ٤٦ ] ؛ ليطابق قوله :﴿ والكتاب الذي نَزَّلَ على رَسُولِهِ والكتاب الذي أَنَزلَ مِن قَبْلُ ﴾ [ النساء : ١٣٦ ]، ثم قال : وقد يتمشَّى التقدير الأوَّل - يعني : جواز الحذف - وإن لم يوجد شرطه. قال : وقد جاء ذلك في أشعارِهِم؛ وأنشد :[ الطويل ]
٨٦٩ - وَإشنَّ لِسَانِي شُهْدَةٌ يُشْتَفَى بِهَا وَهُوَّ عَلَى مَْ صَبَّهُ اللَّهُ عَلْقَمُ
أي : عَلْقَمٌ عَلَيْهِ، وقوله :[ الطويل ]
٨٧٠ - لَعَلَّ الًَّذِي أَصْعَدْتنِي أنْ يَرُدَّنِي إلى الأَرْضِ إشنْ لَمْ يَقْدِرِ الخَيْرَ قَادِرُهُ
أي : أصْعَدتنِي بِهِ.
[ قوله تعالى :« مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ » يجوز في « كُلِّ » ثلاثة أوجُهٍ :
أحدها : أن يكون ي موضع المفعول به ]، وتكون « مِنْ » تبعيضيَّةً.
الثاني :[ أن تكون « مِنْ » زائدةً على مذهب الأخفش، و « كُلِّ دَابَّةٍ » مفعولٌ به ل « بَثَّ » أيضاً.
والثالث ] : أن يكون في محلِّ نصبٍ على الحال من مفعول « بَثَّ » المحذوف، إذَا قلنا : إنَّ ثَمَّ موصولاً محذوفاً، تقديره : وما بَثَّ حال كونه كائناً من كُلِّ دابَّةٍ؛ وفي « مِنْ » حينئذٍ وجهان :
أحدهما :﴿ أن تكون للبيان.
والثاني ] : أن تكون للتبعيض.
وقال أبو البَقَاءِ رحمه الله : ومفعول « بَثَّ » محذوفٌ، تقديره :{ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ ﴾
وظاهرُ هذا أنَّ « مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ » : صفةٌ لذلك المحذوف، { وهو تقديرٌ لا طائلَ تحته ].
والبَثُّ : نَشْرٌ وتفريقٌ.
قال :[ الطويل ]
٨٧١ -..................... وَفِي الأضرْضِ مَبْثُوثاً شُجَاعٌ وَعَقْرَبُ
ومضارِعُه : يَبُثُّ، بضم العين، وهو قياسُ المُضَاعف [ المُتَعَدِّي ]، وقد جاء الكَسر في أُلَيْفَاظٍ؛ قالوا :« نَمَّ الحديثَ يَنُمُّهُ » بالوجهين.
والدَّابَّةُ : اسمٌ لكلِّ حيوانٍ، وزَعَمَ بعضهم إخراج الطَّير منه، ورُدَّ [ عليه ] بقول عَلْقَمَةَ :[ الطويل ]


الصفحة التالية
Icon