وأمَّا الكلام على بقيَّة الحيوان، فبَحْرٌ لا ساحل له.
قوله تعالى :« وَتَصْرِيفِ الرَّيِاحِ » :« تَصْرِيفِ » : مصدرُ « صَرَّفَ »، وهو الرَّدُّ والتَّقْلِيب، ويجوزُ أنْ يكون مضافاً للفاعل، والمفعول محذوف، تقديره :[ وتصريف الرِّياح السَّحَابَح فإنَّها تسوق السَّحاب، وأن يكون مضافاً للمفعول، والفاعل محذوفٌ، أي :] وتصريفُ الله الرِّياح، والرِّياح : جمعُ « رِيح »، جمع تكسير، وياء الرِّيح، والرِّياح عن واو، والأصلُ « روحٌ » ؛ لأنَّه من : رَاحَ يَرُوحُ، وإنَّما قُلِبَتْ في « ريح » ؛ لِسُكُونها، وانكسار ما قَبْلها، وفي « رِيِاح » ؛ لأنَّها عينٌ [ في جمع ] بعد كسرةٍ، وبعدها ألفٌ، وهي ساكنةٌ في المفرد، وهي إبدالٌ مطَّردٌ؛ ولذلك لمَّا زال موجب [ قلبها، رجعت إلى أصلها ] ؛ فقالوا : أرواحٌ؛ قال :[ الطويل ]

٨٧٤ - أَرَبَّتْ بِهَا الأَرْوَاحُ كُلَّ عَشِيَّةِ فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ آلُ خَيْمٍ مُنَضَّدِ
ومثله :[ الوافر ]
٨٧٥ - لَبَيْتٌ تَخْفقُ الأَرْوَاحُ فِيهِ أَحَبُّ إليَّ مِنْ قَصْرٍ مُنِيفِ

فصل في لحن من قال : الأرياح


وقد لَحَنَ عَمَارَةُ بْنُ بِلاَلٍ، فقال « الأرْيَاحَ » في شعره، فقال له أبو حَاتِم :« إنَّ الأرْيَاحَ لا تجُوزُ » فقال له عمارةُ : ألاَ تَسْمَعُ قولهم : رِيَاحٌ؟ فقال أبو حاتمِ : هذا خلاف ذلك، فقال : صَدَقْتَ، ورجع.
قال أبُو حَيَّان : وفي محفوطي قديماً؛ أنَّ « الأَرْيَاح » جاء في شعر بعض فُصَحَاءِ العَرَب المستَشْهَد بكلامهم، كأنَّهم بنوه على المفرد، وإن كانت علّضة القلب مفقودةً في الجمع، كما قالوا :« عيدٌ وأعْيَادٌ » والأصلُ « أَعْوَاد » ؛ لأنَّه من :« عَادَ يَعُودُ »، لكنه لما ترك البَدَل، جعل كالحرف الأصليِّ.
قال شِهِابُ الدِّيِن : ويؤيد ما قاله الشَّيْخُ أن التزامَهُمُ « الياء » في « الأَرْيَاحِ » ؛ لأجل اللَّبس [ بينه، وبين « أَرْوَاح » جمع « رُوح »، كام قالوا : التُزمت الياء في « أعْيَاد؛ فَرْقاً ] بينه وبين » أعْوَاد « جمع عود الحطب؛ كما قالوا في التصغير :» عُيَيْد « دون » عُوَيْد « ؛ وعلَّلوه باللَّبْس المذكور.
وقال أبو عليٍّ :[ يجمع ] في القليل »
أرْوَاح « وفي الكثير » رِيَاح «.
قال ابن الخطيب وابن عطِيَّة :»
وجاءت في القرآن مجموعةً مع الرَّحمة، مفردةً مع العذابِ، إلاَّ في قوله تعالى :﴿ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ﴾


الصفحة التالية
Icon