والثاني : أن تكون في محلِّ نصبٍ؛ صفةً ل « أَنْدَاداً »، والضمير المنصوب يعود عليهم، والمراد بهم الأصنام؛ وإنَّما جمعوا جمع العقلاء؛ [ لمعاملتهم له معاملة العقلاء، أو يكون المراد بهم : من عبد من دون الله من العقلاء ] وغيره، ثم غلب العقلاء على غيرهم.
قال ابْنُ كَيْسَانَ، والزَّجَّاجُ : معناه : كَحُبِّ اللَّه، أي : يسوُّون بين الأصنام وبين الله تبارك وتعالى في المحبَّة.
قال أبو إسْحَاقَ : وهذا القول الصحيح؛ ويدلُّ عليه قوله :﴿ والذين آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ ﴾ نقله القرطبيُّ.
الثالث : أن تكون في محل نصب على الحال مِنَ الضَّمير في « يَتَّخِذُ »، والضمير المرفُوع عائدٌ على ما عاد عليه الضَّمير في « يَتَّخِذُ »، وجُمِعَ حملاً على المعنى؛ كما تقدَّم.
قال ابن الخطيب رحمه الله تعالى : في الآية حَذْفٌ، أي : يُحبُّونَ عبادَتَهُمْ، والانقياد إليهم.
قوله تعالى :« كَحُبِّ الله » الكاف في محلِّ نصبٍ : إمَّا نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ، أي : يحبُّونَهُمْ حُبّاً كَحُبِّ اللَّه، وأمَّا عل الحال من المَصدر المعرَّف؛ كما تقرَّر غير مَرَّة، والحُبُّ : إرادة ما تَاهُ وتظنُّه خيراً، وأصله من : حَبَبْتُ فُلانَاً : أصبحتُ حَبَّةَ قَلْبِهِ؛ نحو : كَبِدتُهُ، وأَحْبَبْتُهُ : جعلت قَلْبِي مُعرَّضاً بأنْ يُحِبَّهُ، لكن أكثر الاستعمال أنْ يقال : أَحْبَبْتُهُ، فهو مَحْبُوبٌ، وَمُحَبٌّ قليلٌ؛ كقول القائل :[ الكامل ]

٨٧٧ - وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلاَ تَظُنِّي غَيْرَهُ مِنِّي بمَنزِلَةِ المُحَبِّ الْمُكْرَمِ
والحُبُّ في الأصل : مصدرُ « حَبَّهُ » وكان قياسه فتح الحاء، ومضارعُهُ يَحُبُّ بالضم، وهو قياس فعل المضعَّف، وشَذَّ كسره، و « مَحْبُوب » أكثر مِنْ « مُحَبٍّ »، و « مُحَبٌّ » أكثر من « حَابٍّ » وقد جمع الحُبُّ؛ لاختلاف أنواعه؛ قال :[ الطويل ]
٨٧٨ - ثَلاًثَةُ أَحْبَابٍ فَحُبٌّ عَلاَقَةٌ وَحُبٌّ تِمِلاَّقٌ وَحُبٌّ هُوَ الْقَتْلُ
والحُبُّ مصدرٌ لمنصُوبِهِ، والفاعلُ محذوفٌ، تقديرُه، كحُبِّهِمْ الله أو كَحُبِّ المؤمنين اللَّهِ؛ بمعنى : أنَّهم سَوَّوا بين الحُبَّيْن : حبِّ الأنداد، وحُبِّ الله.
وقال ابن عطيَّة :« حُبّ » : مصدرٌ مضافٌ للمفعول في اللَّفْظ، وهو في التقدير مضافٌ للفاعل المُضمرِ، يريدُ به : أنَّ ذلك تقديرُه : كَحُبِّكُمُ اللَّهَ أو كَحُبِّهِمُ اللَّهَ، حَسبما قدَّرَ كُلَّ وَجهٍ منهما فرقَةٌ انتهى.
وقوله :« للفاعل المُضْمر » يريدُ به أنَّ ذلك الفاعل منْ جنس الضمائرِ، وهو « كمْ » أو « هُمْ » أو يُسَمَّى الحذف إضماراً وهو اصطلاحٌ شائعٌ ولا يريد أنَّ الفاعل مُضْمر في المصدرِ كما يُضْمَرُ في الأفعال؛ لأنَّ هذا قولٌ ضعيفٌ لبعضهم؛ مردُودٌ بأن المصدر اسم جنسٍ واسمُ الجنس لا يُضمرُ فيه لجمودِهِ.
وقال الزمخشريُّ :« كَحُبِّ اللَّهِ » كتعظيم الله، والخُضُوع، أي : كا يُحَبُّ اللَّهُ؛ عليه أنه مصدرٌ مبنيٌّ من المفعول، وإنما استُغنِيَ عن ذكرِ من يُحِبُّهُ؛ لأنه غير مُلتبسٍ انتهى.


الصفحة التالية
Icon