واَمَّا قراءة « يَرَى » [ الَّذِينَ ] بالغيبة، وكَسْر « إِنَّ » و « إِنَّ » فيكون الجواب قولاً محذوفاً، وكُسرَتَا لوقوعهما بعد القَوْل، فتقديرُه على كون الفاعل ضمير الرَّأي، لَقَالَ :« إِنَّ القُوَّةَ » وعلى كَونه « الَّذِينَ » :« لَقَالُوا » ويكون مفعول « يَرَى » محذوفاً، أي :« لَوْ يَرَى حَالَهُمْ » ويحتمل أنْ يكون الجواب :« لاَسْتَعْظَمَ، أو لاسْتَعْظَمُوا » على حسب القولين : وقدَّر بعضهم :﴿ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَاداً ﴾ وإنَّما كُسِرَتَا؛ استئنافاً، وحَذُفُ جواب « لَوْ » شائعٌ مستفيضٌ كثيرٌ في التنزيل، قال تبارك وتعالى :﴿ وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون فِي غَمَرَاتِ الموت ﴾ [ الأنعام : ٩٣ ] ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجبال ﴾ [ الرعد : ٣١ ] ويقولون :« لَوْ رَأَيْتَ فُلاَناً، والسِّيَاطُ تَأخُذُ مِنْهُ » قالوا : وهذا الحَذفُ أفخم وأشَدُ كلَّ مَذْهَب فيه؛ بخلاف ما لو ذكر فإنَّ السامع يقصُرُ همَّه عليه، وقد وَرَد في أَشْعَارِهمْ ونَثْرِهِمْ كثيراً؛ قال امرُؤُ القَيْسِ :[ الطويل ]

٨٧٩ - وَجَدِّكَ لَوْ شَيْءٌ أَتَانَا رَسُولُهُ سِوَاكَ وَلَكِنْ لَمْ نَجِدْ لَكَ مَدْفَعَا
وقال النَّابغة :[ الطويل ]
٨٨٠ - فَمَا كَانَ بَيْنَ الخَيْرِ لَوْ جَاءَ سَالِماً أَبُوا حُجُرٍ إِلاَّ لَيَالٍ قَلاَئِلُ
ودخلت « إِذْ »، وهي ظرفُ زمانٍ ماضٍ في أثناء هذه المستقبلات تقريباً للأمر، وتصحيحاً لوقوعه؛ كما وقعت صيغة المُضِيِّ موضع المستقبلِ لذلك؛ كقوله :﴿ ونادى أَصْحَابُ النار أَصْحَابَ الجنة ﴾ [ الأعراف : ٥٠ ]. وكما قال الأشتر :[ الكامل ]
٨٨١ - بَقَّيْتُ وَفْرِي وَانْحَرَفْتُ عَنْ العُلاَ وَلَقيْتُ أَضْيَافِي بِوَجْهِ عَبوسِ
إِنْ لَمْ أَشُنَّ عَلَى ابْنِ حَرْبٍ غَارَةً لَمْ تَخْلُ يَوْماً مِنْ نِهَابِ نُفُوسِ
فأوقع « بَقَّيْتُ » و « انْحَرَفْتُ » - وهما بصيغة المضيِّ - موقع المستقبل، لتعليقهما على مستقبلٍ، وهو قوله : إنْ لم أشنَّ «.
وجاء في التنزيل كثيرُ مِنْ هذا الباب قال تبارك وتعالى :


الصفحة التالية
Icon