الثَّانِي : أن تكُونَ للتعديَة، اي : قَطَّعَتْهُم الأَسْبَابُ؛ كما تقول : تَفَرَّقَتْ بهم الطُّرُقُ، أي : فَرَّقَتْهُمْ.
الثالث : أن تكون للسببيّة، أي : تقطَّعت [ بسبَب كُفْرهمُ الأَسْبَابُ الَّتي كانُوا يرْجُون بها النَّجَاةَ ].
الرابع : أن تكون بمعنى « عَنْ » [ أي : تقطَّعت عنْهُم، كقوله ﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾ [ الفرقان : ٥٩ ]، أي : عنهُ ] وكقول علْقَمَةَ في ذلك :[ الطويل ]
٨٨٢ - فَإِنَّ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فإِنَّنِي | بَصِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسِاءِ طَبيبُ |
فصلٌ في المراد ب « الأسباب »
والأَسْبَابُ : الوَصْلاَتُ التي كانت بينهم، قاله مجاهدٌ، وقتادةُ، والرَّبيعُ.
وقال ابن عبَّاس - رضي الله تعالى عَنْهما - وابن جُرَيْجٍ : الأَرْحَام الَّتِي يتعاطَفُونَ بها؛ كقوله تعالى :﴿ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ﴾ [ المؤمنون : ١٠١ ].
وقال ابنُ زَيْدٍ، والسُّدِّيُّ : الأعمالُ الَّتي كانوا يلزَمُونَها.
وقال ابنُ عَبَّاسٍ : العُهُودُ والحَلِفُ الَّتي كانوا يلزَمُونَها.
وقال الضَّحَّاكُ، والرَّبيع بنُ أَنَسٍ : المنازلُ التي كانَتْ لهم في الدُّنيَا.
وقال السُّدِّيُّ : الأعْمَالُ الَّتي كانوا يلزمونها في الدنيا؛ كقوله تبارك وتعالى :﴿ وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً ﴾ [ الفرقان : ٢٣ ].
وقيل : أسبابُ النجاةِ تقطَعَّت عنهم.
قال ابنُ الخَطِيبِ - رضي الله عنه - والأظْهَرُ دخولُ الكُلِّ فيه ولأن ذلك كالنَّفي، فيعمّ الكلَّ؛ فكأنَّه قال : وزالَ كلُّ سببٍ يمكنُ أن يتعلَّق به، وأنهم لا ينتفعونُ بالأَسْباب على اختلافِهَا من منزلةٍ، وسببٍ ونسَبٍ، وعَهْدٍ، وعَقْدٍ وذلك نهاية اليأس.
وهذه الأسبابُ مجازٌ فإِنَّ السَّبب في الأصْل : الحَبْل؛ قالوا : ولا يُدْعى الحَبْلُ سبباً؛ حتى يُنْزَلَ فيه ويُصْعَدَ به، ومنْه قوله تبارك وتعالى :﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السمآء ﴾ [ الحج : ١٥ ] ثم أطلق على كلِّ ما يُتَوَصَّلُ به إلى شَيْءٍ، عَيْناً كان أو معنى، وقيل للطَّريق : سَبَبٌ؛ لأنَّك بسُلُوكِهِ تَصِلُ إلى المَوْضع الذي تريدُهُ؛ قال تعالى :﴿ فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾ [ الكهف : ٨٥ ] أي : طريقاً، وأسبابُ السَّموات : أَبوابُها؛ قال تعالى مُخْبِراً عن فِرْعُونَ :
﴿ لعلي أَبْلُغُ الأسباب أَسْبَابَ السماوات ﴾ [ غافر : ٣٦ - ٣٧ ] وقد تُطْلَقُ الأسبابُ على الحوادِثِ؛ قال زُهَيْرٌ :[ الطويل ]
٨٨٣ - وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ | وَلَوْ نَالَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ |
أحدهما :﴿ اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا ﴾ ؛ ولذلك حذف عائد المَوْصُول الأوَّل، فلم يَقُلْ ﴿ منالذين اتبعوهم ﴾ ؛ لفواتِ ذلك.
والثَّاني :﴿ وَرَأَوُاْ العذاب وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب ﴾، وكقوله ﴿ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ ﴾ [ البقرة : ٢٧٦ ].
قوله تعالى :﴿ وَقَالَ الذين اتبعوا ﴾، يعني : الأَتْبَاع :﴿ لَوْ أَنْ لنَا كَرَّةً ﴾ أي : رجعةً إلى الدُّنيا، والكرَّةُ : العودَة، وفِعْلُها كَرَّ يَكُرُّ كَرّاً؛ قال القائل في ذلك :[ الوافر ]
٨٨٤ - أَكُرُّ عَلَى الْكِتيبَةِ لاَ أُبَالِي | أَفِيهَا كَانَ حَتْفِي أَمْ سَوَاهَا |