الثاني : أن يكون صفةً لمصدرٍ محذوفٍ، أو حالاً من المصدر المعرفة المحذوف : أي أكلاً طَيِّباً.
الثالث : أن يكون حالاً من الضَّمير في « كُلُوا » تقديره : مستطيبين - قال ابن عطيَّة.
قال أبُو حَيَّان : وهذا فاسدٌ في اللَّفظ أمَّا اللَّفظ؛ فلأنَّ « الطَّيِّبَ » اسم فاعل فكان ينبغي أن تُجمع؛ لتطابق صاحبها؛ فيقال : طيِّبين، وليس « طَيِّب » مصدراً؛ فيقال : إنَّما لم يجمع لذلك، وأمَّا المعنى؛ فلأنَّ « طَيِّباً » مغايرٌ لمعنى مستطيبين، لأنَّ « الطَّيِّب » من صفات المأكول، و « المستطيب » من صفات الآكلين، تقول :« طَابَ لِزَيْدٍ الطَّعَامُ » ولا تقول :« طَابَ زَيْدُ الطَّعَامَ » بمعنى استطابه.
و « الحَلاَلُ » : المأذون فيه ضدُّ الحرام الممنوع منه، حلَّ يحلُّ، بكسر العين في المضارع، وهو القياس، لأنه مضاعفٌ غير متعدٍّ، يقال : حَلاَلٌ، وحِلٌّ؛ كَحَرَامٍ وحِرْمٍ وهو في الأصل مصدرٌن ويقال :« حِلٌّ بِلٌّ » على سبيل الإتباع؛ ك « حَسَنٌ بَسَنٌ »، وحَلٌ بمكان كذا يَحُلُّ - بضم العين وكسرها - وقُرئ :﴿ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي ﴾ [ طه : ٨١ ] بالوجهين، وأصله من « الحضلِّ » الذي هو : نقيض العقد، ومنه : حلَّ بالمكان، اذا نزل به؛ لأنَّه حلَّ شدَّ الرحال للنُزول، وحَلَّ الدَّين إذا نزل به، لانحلال العقد بانقضاء المُدَّة، وحَلَّ من إحرامه، لأنه حَلَّ عقد الإحرام، وحلَّت عليه العقوبة، أي : وجبت لانحلال العقدة [ المانعة من العذاب ] ومن هذا :« تَحِلَّةُ اليمين » : لأن عقد اليمين تنحلُّ به.
والطَّيِّبُ [ في اللغة : يكون بمعنى الطَّاهر، والحلال يوصف بأنَّه طيِّبٌح قال تعالى :﴿ قُل لاَّ يَسْتَوِي الخبيث والطيب ﴾ [ المائدة : ١٠٠ ] والطَّيِّب في ] الأصل : هو ما يستلدُّ به ويستطاب، ووصف به الطَّاهر، والحلال؛ على وجهة التشبيه؛ لأنَّ النَّجس تكرهه النَّفس؛ فلا تستلذُّه، والحرام غير مستلذٍّ، لأنَّ الشرع يزجر عنه.
وفي المراد بالطَّيِّب في الآية وجهان :
الأول : أنه المستلذُّ؛ لأنا لو حملناه على الحلال، لزم التكرار؛ فعلى هذا يكون إنما يكون طيِّباً، إذا كان من جنس ما يشتهى؛ لأنه إن تناول ما لا شهوة له فيه، عاد حراماً، وإن كان يبعد وقوع ذلك من العاقل إلاّ عند شبهة.
والثاني : أن يكون المراد ما يكون جنسه حلالاً، وقوله :« طَيِّباً » المراد منه : ألاَّ يكون متعلِّقاً به حقُّ الغير؛ فإنَّ أكل الحرام، وإن استطابه الآكل، فمن حيث يؤدِّي إلى العقاب : يصير مضرَّةً، ولا يكون مستطاباً؛ كما قال تعالى :﴿ إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾ [ النساء : ١٠ ].
قوله :﴿ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان ﴾ : قرأ ابنُ عامِرٍ، والكسَائيُّ، وقُنْبُلٌ، وحَفْصٌ عن عاصِمٍ، ويَعْقُوبُ :« خُطُوَاتِ » بضم الخاء، اولطاء، وباقي السَّبْعة بسكون الطاء.


الصفحة التالية
Icon