وأما القسم الثاني : وهو أن يقال :[ إن الله تعالى نص على شرع موسى ﷺ وقرن به ما يدل به على أنه منقطع غير دائم ].
فهذا باطل لما بت أنه لو كان كذلك لوجب أن يكون ذلك معلوماً بالضرورة لأهل التواتر.
وأيضاً فبتقدير صحته لا يكون ذلك نسخاً، بل يكون ذلك انتهاء للغاية.
وأما القسم الثالث : وهو أنه [ تعالى نص على شرع موسى عليه الصلاة السلام ولم يبيّن فيه كونه دائماً، أو كونه غير دائم ] فنقول : إنه ثبت في أصول الفقة أن مجرد الأمر لا يفيد التكرار، وإ‘نما يفيد المرة الواحدة، فإذا أتى المكلف بالمرة الواحدة، فقد خرج عن عُهْدة الأمر، فورود أمر آخر بعد ذلك لايكون نَسْخاً للأمر الأول، فثبت بهذا التقيسم أن القول بالنسخ مُحَال.
فصل في تحرير محلّ الاستدلال بالآية
قال ابن الخطيبك والاستدلال بهذه الآية على وقوع النَّسخ ضعيف؛ لأن « ما » هاهنا تفيد الشرط والجزاء، وكما أن قولك :« من جائك فأكرمه » لا يدعل على حصول المجيء، بل على أنه متى جاء وَجَبَ الإكرام، ، فكذا هذه الآية لا تدلّ على حصول النسخ، بل على أنه متى حصل النسخ وجب أن يأتي بما هو خير منه، فالأقوى أن تعوّل في الإثبات على قوله تعالى ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ﴾ [ النحل : ١٠١ ] وقوله :﴿ يَمْحُو الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب ﴾ [ الرعد : ٣٩ ].
فصل في فوائد معرفة النسخ
قال القرطبي رحمه الله تعالى : معرفة هذا الباب أكيدةٌ عظيمة، لا يستغنى عن معرفته العلماءن ولا ينكره إلا الجَهَلة؛ لما يترتب عليه من الأحكام، ومعرفة الحلال من الحرام.