وقد ذهب إليه جماعةٌ، منهم : أبو بكر بن طاهر، وابن خروفٍ، والشَّلوبين؛ قالوا : العرب تستحسن هذا، وهو من بديع كلامها؛ ومثله قوله :[ ﴿ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء ﴾ [ النمل : ١٢ ] ] تقديره :« وأَدْخِل يَدَكَ في جَيْبِكَ، تدْخُلْ، وأَخْرِجْها تَخْرُجْ » ؛ فحذف « تَدْخُل » ؛لدلالة « تَخْرُج » وحَذَف « وأَخْرجْهَا » ؛ لدلالة « وأَدْخِلْ »، قالوا : ومثله قوله :
٨٩٥ - وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ فَتْرَةٌ | كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ |
وهذه الأقوال كلُّهَا، إنَّما هي على القول بتشبيه مفرد بمفرد، ومقابلة جزء من الكلام السَّابق بجزء من الكلام المشبَّه به.
أمَّا إذا كان التشبيه من باب تشبيه جملةٍ بجملةٍ، فلا ينظر في ذلك إلى مقابلة الألفاظ المفردة، بل ينظر إلى المعنى، وإلى هذا نحا أبو القاسم الراغب؛ قال الرَّاغب :« فلمَّا شبَّه قصَّة الكافرين في إعراضهم عن الدَّاعي لهم إلى الحقِّ، بقصَّة النَّاعق قدَّم ذكر النَّاعق؛ لينبني عليه ما يكون منه، ومن المنعوق به ».
والكاف ليست بزائدةٍح خلافاً لبعضهم؛ فإنَّ الصِّفة ليست عين الصِّفة الأخرى، فلا بُدَّ من الكاف؛ حتى أنه لو جاء الكلام دون الكاف، اعتقدنا وجودها تقديراً تصحيحاً للمعنى.
وقد تلخَّص ممَّا تقدَّم : أنَّ « مَثَلُ الَّذِينَ » مبتأٌ، و « كَمَثَلِ الَّذِي » خبره : إمَّا من غير اعتقاد حذف، أو على حذف مضافٍ من الأوَّل، أي :« مثلُ :» داعي الَّذين «، أو من الثَّاني، أي :» كَمَثَلِ بَهَائِم الَّذِي «، أو على حذفين : حذف من الأوَّل ما أثبت نظيره في الثَّاني، ومن الثَّاني ما أثبتَ نظيره في الأوَّل؛ كما تقدَّم تحريره.
والنعيق دعاء الرَّاعي، وتصويته بالغنم؛ قال الأخطل في ذلك :[ الكامل ]
٨٩٦ - فَانْعِقْ بِضَأْنِكَ يَا جَرِيرُ فَإِنَّمَا | مَنَّتْكَ نَفْسُكَ في الخَلاَءِ ضَلالاَ |