والجواب عن الأوَّل : أن قوله تعالى :﴿ وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ ﴾ [ المائدة : ٥ ] عامٌ، وقوله :﴿ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله ﴾ خاصٌّ، والخاصُّ مقدَّم على العامِّ.
وعن الثاني أن قوله تعالى :﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب ﴾ لا يقتضي تخصيص قوله :﴿ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله ﴾ ؛ لأنهما آيتان متباينتان.
وعن الثالث : إنَّما كُلِّفنا بالظَّاهر، لا بالباطن، فإذا ذبحه على اسم الله تعالى، وجب أن يحلَّ، ولا سبيل لنا إلى الباطن.
قوله :« فَمَنِ اضْطُرَّ » في « مَنْ » وجدهان :
أحدهما : أن تكون شرطيةً.
والثاني : أن تكون موصُولةً بمعنى « الذي ».
فعلى الأوَّل : يكون « اضطُرَّ » في محلِّ جزم بها، وقوله :﴿ فلاا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ جواب الشرط، والفاء فيه لازمةٌ.
وعلى الثاني : لا محلَّ لقوله « اضْطُرَّ » من الإعراب، لوقوعه صلةً، ودخلت الفاء في الخبر؛ تشبيهاً للموصول بالشَّرط، ومحلُّ ﴿ فلاا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ الجزم على الأوَّل، والرفع على الثاني. والجمهور على « اضْطُرَّ » بضمِّ الطاء، وهي أصلها، وقرأ أبو جعفر بكسرها؛ لأنَّ الأصل « اضْطُرِرَ » بكسر الراء الأولى، فلمَّا أدغمت الراء في الرَّاء، نقلت حركتها إلى الطَّاء بعد سلبها حركتها، وقرأ ابن مُحَيْصِن :« اطُّرَّ » بإدغام الضَّاد في الطَّاء، وقد تقدَّم الكلام في المسألة هذه عند قوله :﴿ ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ ﴾ [ البقرة : ١٢٦ ].
وقرأ أبو عَمْرٍو، وعاصمٌ، وحمزة بكسر نون « مَنِ » على أصل التقاء الساكنين، وضمَّها الباقون؛ إتباعاً لضمِّ الثالث.
وليس هذا الخلاف مقصور على هذه الكلمة، بل إذا التقى ساكنان من كلمتين؛ وضُمَّ الثالث ضمَّاً لازماً نحو :﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ ﴾ [ الأنعام : ١٠ ] ﴿ قُلِ ادعوا ﴾ [ الإسراء : ١١٠ ]، ﴿ وَقَالَتِ اخرج ﴾ [ يوسف : ٣١ ]، جرى الخلاف المذكور، إلاَّ أنَّ أبا عمرو خرج عن أصله في ﴿ أَو ﴾ [ المزمل : ٣ ] و ﴿ قُلِ ادعوا ﴾ [ الإسراء : ١١٠ ] فضمَّهما، وابن ذكوان خرج عن أصله، فكسر التنوين خاصَّة؛ نحو ﴿ مَحْظُوراً انظر ﴾ [ الإسراء : ٢٠ - ٢١ ] واختلف عنه في ﴿ بِرَحْمَةٍ ادخلوا ﴾ [ الأعراف : ٤٩ ] ﴿ خَبِيثَةٍ اجتثت ﴾ [ إبراهيم : ٢٦ ] فمن كسر، فعلى أصل التقاء الساكنين، ومن ضمَّ، فلإتباع، وسيأتي بيان الحكمة في ذلك. عند٠ ذكره، إن شاء الله - تعالى - والله أعلم.
قوله :« غَيْرَ باغٍ » :« غَيْرَ » : نصب على الحال، واختلف في صاحبها :
فالظاهر : أنه الضمير المستتر [ في « اضْطُرَّ » ]، وجعله القاضي، وأبو بكر الرازيُّ من فاعل فعل محذوف بعد قوله « اضْطُرَّ » ؛ قالا : تقديره :« فَمَنَ اضْطُرَّ فَأَكَلَ غَيْرَ بَاغٍ » ؛ كأنهما قصَدَا بذلك أن يجعلاه قيداً في الأكل لا في الاضطرار.


الصفحة التالية
Icon