قوله « واليَتَامى » : ظاهره أنه مصوب، عطفاً على ذوي.
وقال بعضهم : هو عطف على « القرْبَى » أي :« آتى ذَوي اليَتَامى »، أي : أولياءهم؛ لأن الإيتاء إلى اليتامى لا يصحُّ؛ فإن دفع المال إلى اليتيم الذي لا يميِّز، ولا يعرف وجوه المنفعة يكون مخطئاً، ولا حاجة إلى هذا، فإنَّ الإيتاء يصدق، وإن لم لم يباشر من يؤتيه بالإيتاء، يقال :« آتيْتُ السُّلْطَانَ الخَرَاجَ »، وإنَّما أعطيت أعوانه.
وأيضاً : إذا كان اليتيم مراهقاً عارفاً بمواقع حظَّه، وتكون الصدقة من باب ما يؤكل، ويلبس، ولا يخفى على اليتيم وجه الانتفاع به، جاز دفعها إليه، هذا على قول من قال : إن اليتيم هو الذي لا أب له مع الصِّغر.
وقال بعضهم : أن هذا الاسم قد يقع على الصَّغير، وعلى البالغ؛ لقوله تعالى :﴿ وَآتُواْ اليتامى أَمْوَالَهُمْ ﴾ [ النساء : ٢ ] وهم لا يؤتون إلاَّ إذا بلغوا، وكان رسول الله ﷺ يسمَّى يتيم أبي طالب بعد بلوغه؛ فعلى هذا : إن كان اليتيم بالغاً، دفع إليه، وإلاَّ دفع إلى وليه، والمساكين أهل الحاجة، وهم ضربان : من يكفُّ عن السؤال، وهو المراد هاهنا، ومنهم من يسأل وينبسط، وهم السائلون، وإنما فرق يبنهما؛ من حيث يظهر على السماكين المسكنة ممَّا يظهر من حاله، وليس كذلك السائل لأنه يظهر حاله.
وابن السبيل اسم جنسٍ أو واحد أريد به الجمع، وسمِّي « ابن السَّبيل »، أي : الطريق، لملازمته إيَّاه في السَّفر، أو لأنَّ الطريق تبرزه، فكأنها ولدته.
فصل.
من جعل الآية الكريمة في غير الزَّكاة، أدخل في هذه الآية المسلم والكافر، روى الحسن بن علي بن أبي طالب - كرَّم الله وجهه - أنه - ﷺ - قال :« للسَّائِل حَقٌّ، وَلَوْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ »، وقال تعالى :﴿ وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم ﴾ [ الذاريات : ١٩ ].
الأمر الثالث في تحقيق مسمَّى البِرِّن قوله :﴿ وَأَقَامَ الصلاة وَآتَى الزكاة ﴾ وقد تقدَّم : قوله ﴿ وَفِي الرقاب ﴾ متعلِّق ب « آتى » وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون ضمن « آتى » معنى فعل يتعدى لواحد؛ كأنه قال : وضع المال في الرِّقَاب.
والثاني : أن يكون مفعول « آتى » الثاني محذوفاً، أي : آتى المال أصحاب الرِّقاب في فكِّها، أو تخليصها؛ فإنَّ المراد بهم المكاتبون، أو الأسارى، أو الأرقَّاء يشترون، فيعتقون، وكلٌّ قد قيل به.
والرِّقَابُ : جمع « رَقَبَةٍ »، وهي من مؤخَّر أصل العنق، واشتقاقها من « المراقبة » ؛ وذلك أن مكانها من البدن مكان الرَّقِيب المشرف على القوم؛ وبهذا المعنى : يقال :« أَعْتَقَ اللَّهُ رَقَبَتَهُ »، ولا يقال :« أَعْتَقَ اللَّهُ عُنُقَهُ » ؛ لأنها لما سمِّيت رقبةً؛ كأنها تراقب العذاب، ومن هذا يقال للتي لا يعيش ولدها « رَقُوبٌ » ؛ لأجل مراقبة موت ولدها.