قوله :﴿ وَأَقَامَ الصلاة ﴾ عطف على صلة « مَنْ »، وهي :« آمَن، وآتى » وإنما قدم الإيمان، لأنه رأس الأعمال الدينيَّة، وثنَّى بإيتاء المال؛ لأنه أجلُّ شيء عند العرب، وبه يمتدحون، ويفتخرون بفكِّ العاني : وقِرَى الضِّيفان، ينطق بذلك نظمهم ونثرهم.
قوله ﴿ والموفون بِعَهْدِهِمْ... ﴾ في رفعة ثلاثة أوجه :
أحدها : ذكره الزمخشري : أنه عطف على « مَنْ آمَنَ » أي : ولكنَّ البرَّ المؤمنون والموفون.
والثاني : أن يرتفع على خبر مبتدأ محذوف، أي : هم الموفون، وعلى هذين الوجهين : فنصب الصابرين على المدح؛ بإضمار فعل، وهو في المعنى عطف على « مَنْ آمَنَ »، ولكن لما تكرَّرت الصِّفات، خولف بين وجوه الإعراب.
قال الفارِسيُّ : وهو أبلغ؛ لأن الكلام يصير مشتملاً على جملٍ متعددةٍ، بخلاف اتّفاق الإعراب؛ فإنه يكون جملةً واحدةً، وليس فيها من المبالغة ما الجمل المتعدِّدة.
وقال أبو عبيدة : ومن شأن العرب، إذا طال الكلام : أن يغيِّروا الإعراب والنَّسق؛ كقوله تعالى في سورة النساء :﴿ والمقيمين الصلاة ﴾ [ النساء : ١٦٢ ] وفي المائدة :﴿ والصابئون ﴾ [ المائدة : ٦٩ ] وقال الفرَّاء : إنما رفع « المُوفُونَ »، ونصب « الصَّابِرِينَ » ؛ لطول الكلام بالمدح، والعرب تنصب الكلام على المدح والذَّمِّ، إذا طال الكلام في الشَّيء الواحد، وقالوا فيمن قرأ ﴿ حَمَّالَةَ الحطب ﴾ [ المسد : ٣ ] بنصب « حَمَّالَةَ » : إنه نصب على الذَّمِّ.
فإن قيل : لم لا يجوز على هذين الوجهين : أن يكون معطوفاً على ذوي القربى، أي : وآتى المال الصابرين : قيل : لئلاَّ يلزم من ذلك محذورٌ، وهو الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه الذي هو في حكم الصِّلة بأجنبيٍّ، وهو « المُوفُونَ » فإن قيل : أليس جاز الفصل بين المبتدأ والخبر بالجملة؛ كقوله :﴿ وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾ [ الكهف : ٣٠ ] ثم قال « أُوْلَئِكَ » ففصل بين المبتدأ والخبر.
قلنا : لا يلزم من جواز الفصل بين المبتدأ والخبر جوازه بين الموصول والصِّلة.
التأكيد بالضمير المرفوع المنفصل، لأنَّ طول الكلام أغنى عن ذلك؛ وعلى هذا الوجه : يجوز في « الصَّابِرِينَ » وجهان :
أحدهما : النَّصيب؛ بإضمار فعْلٍ؛ لما تقدَّم، قال الخليل : المدح والذمُّ ينصبان على معنى « أَعْني الظريف » وأنكر الفراء ذلك لوجهين.
أحدهما : أنَّ « أَعْنِي » إنما يقع تفسيراً للمجهول، والمدح يأتي بعد المعروف « أعني أخاك »، وهذا مما لم تقله العرب أصلاً.
والثاني : العطف على ذَوِي القُرْبَى، ولا يمنع من ذلك ما تقدَّم من الفصل بالأجنبيِّ، لأن « المُفُونَ » على هذا الوجه داخلٌ في الصِّلة، فهو بعضها لا أجنبيٌّ منها.
قوله « إذَا عَاهَدُوا » إذا منصوبٌ ب « المُوفُونَ »، أي : الموفون وقت العهد، من غير تأخير الوفاء عن وقته، وقرأ الجحدريُّ :« بِعُهُودِهِمْ ».