فالجواب : أَنَّ ذلك لا يجوزُ؛ لأنَّه صرَّح بأَنَّ جوابها محذوفٌ مدلولٌ عليه ب « كُتِبَ »، ولم يجعل « كُتِبَ » هو الجوابَ، ويجوزُ أن يكُونَ العَامِلُ في « إِذَا » الإيصاءَ المفهوم مِنْ لفظ « الوَصِيَّة »، وهو القائمُ مقام الفاعِل في « كُتِب » ؛ كما تقدَّم.
قال ابن عطيَّة في هذا الوجه : ويكُونُ هذا الإيصاءُ المُقدَّر الذي يَدُلُّ عليه ذكرُ الوصيَّة بعد هو العَاملَ في « إِذَا »، وترتفع « الوَصِيَّةُ » بالابتداء، وفيه جوابُ الشَّرطيْن؛ على نحو ما أنشَدَه سيبويه :[ البسيط ]
٩١٩ - مَنْ يَفْعَلِ الصَّالِحَاتِ اللَّهُ يَحْفَظُهُ | .......................... |
أحدها : أَنَّهُ متناقض من حيثُ إنَّهُ إذا جعل « إِذَا » معمولةً للإيصاء المُقدر، تمحَّضت للظَّرْفية، فكيف يُقَدَّر لها جوابٌ؛ كما تقدَّم تحريره.
والثاني : أنَّ هذا الإيصاءَ إما أن تقدِّر لفظه محذوفاً، أو تضمره، وعلى كلا التَّقديرين، فلا يعمل؛ لأَنَّ المصدر شرطُ إعماله ألاَّ يُحذَف، ولا يضمر عند البصريِّين، وأيضاً : فهو قائمٌ مقام الفاعل؛ فلا يحذف.
الثَّالث : قوله « جَوَابُ الشَّرْطيْنِ » والشيء الواحد لا يكُون جواباً لاثَنَين، بل جواب كلِّ واحدٍ مستقلٌّ بقدره.
الرابع : جعلهُ حذفَ الفاءِ جائزاً في القُرآن، وهذا نصُّ سيبويه على أَنَّهُ لا يجوزُ إلا ضرورةً، وأنشد :[ البسيط ]
٩٢٠ - مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا | وَالشَّرُّ بالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ سِيّانِ |
ويجوز أنَّ تكون « إِذَا » شرطيَّةً؛ فيكون جوابُها وجوابُ « إِنْ » محذوفَيْن، وتحقيقُه أَنَّ جوابَ « إِنْ » مقدرٌ، تقديرُه :« كُتِبَ الوصيَّةُ على أحدِكُمْ إذا حضره الموتُ، إنْ ترك خَيْراً، فَلْيُوصِ »، فقوله :« فَلْيُوصِ » جواب ل « إِنْ » ؛ حُذِفَ لدلالة الكلام عليه، ويكون هذا الجوابُ المقدَّر دالاًّ على جواب « إِذَا » فيكون المحذُوف دالاًّ على محذوف مثله.
وهذا أَوْلَى مِنْ قَوْل من يَقُولُ : إنَّ الشَّرط الثَّاني جواب الأَوَّل، وحُذِفَ جواب الثَّاني، وأولى أيضاً مِنْ تقدير مَنْ يقدِّره في معنى « كُتِبَ » ماضي المعنى، إلاَّ أن يؤوِّله بمعنَى :« يتوجَّه علَيْكُمْ الكَتْبُ، إن تَرَكَ خَيْراً ».
قوله « الوَصِيّة » فيه ثلاثةُ أوجُهٍ :
أحدها : أن يكُونَ مبتدأً، وخبره « لِلْوَالِدَيْنِ ».