« ما حَقُّ امرِىءِ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يريد أن يُوصِيَ فيه، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ »
وقال بعضهم : إن الوصيَّة لم تكن واجبةً، وإنما كانت مندوبةً، وهي على حالها لم تنسخ، وسيأتي الكلام عليه قريبا - إن شاء الله تعالى -.
قوله :« بالمعروف » : يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن يتعلَّق بنفس الوصيَّة.
والثاني : أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من الوصيَّة، أي : حال كونها ملتبسة بالمعروف، لا بالجور.

فصل


يحتمل أن يكون المراد منه قدر ما يوصى به، فيسوَّى بينهم في العطيَّة، ويحتمل ان يكون المراد من المعروف ألاَّ يعطي البعض، ويحرم البعض؛ كما إذا حرم الفقير، وأوصى للغنيِّ، لم يكن ذلك معروفاً، ولو سوَّى بين الوالدين مع عظم حقهما، وبين بني العمِّ، لم يكن معروفاً، فالله تعالى كلَّفه الوصيَّة؛ على طريقة جميلة خالية عن شوائب الإيحاش، ونقل عن ابن مسعود : أنه جعل هذه الوصيَّة للأفقر فالأفقر من الأقربا.
وقال الحسن البصريُّ : هم والأغنياء سواء.
وروي عن الحسن أيضاً، وجابر بن زيدٍ، وعبد الملك بن يعلى : أنهم قالوا فيمن يوصى لغير قرابته، وله قرابةٌ لا ترثه، قالوا : نجعل ثُلثي الثُّلث لذوي قرابته، وثلث الثُّلث للموصى له، وتقدَّم النَّقل عند طاوس أنَّ الوصيَّة تنزع من الأجنبيِّ، وتعطى لذوي القرابة.
وقال بعضهم : قوله :« بالمعروف » : هو ألاَّ يزيد على الثُّلث، روي عن سعد بن مالك، قال : جاءني النبيُّ ﷺ يعودني، فقلت : يا رسول الله، قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مالٍ، ولا يرثني إلاَّ ابنتي، فأوصي بثلثي مالي؟ وفي روايةٍ :« أُوصِي بِمَالِي كُلِّه » قال :« لا »، قُلْتُ : بالشَّطْر؛ قال :« لا »، قلت فالثُّلُث، قال :« الثُّلُثُ، والثُّلُثُ كثير؛ إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالةً يتكفَّفون الناس »
وقال [ عليٌّ : لأن أوصي بالخمس أحبُّ إليَّ من أن أوصي بالربع، ولأن أوصي بالربع أحبُّ إليَّ من أن أوصي بالثُّلثن فلم أوصي بالثُّلث، فلم يترك « ].
وقال الحسن : نوصي بالسُّدس، أو الخمس، أو الرُّبع.
وقال الفارسيُّ : إنما كانوا يوصون بالخمس والرُّبع.
وذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجوز أن يوصي بأكثر من الثُّلث، إلاَّ أصحاب الرأي، فإنهم قالوا : إن لم يترك الوصيُّ ورثةً، جاز له أن يوصي بماله كله.
وقالوا : إنَّما جاز الاقتصارعلى الثُّلث في الوصيَّة؛ لأجل أن يدع ورثته أغنياء.
قوله »
حَقّاً « في نصبه ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أن يكون نعتاً لمصدر محذوف، ذلك المصدر المحذوف : إما مصدر »
كُتِبَ «، أو مصدر » أَوْصَى «، أي :» كَتْباً حَقّاً « أو » إيصاءً حَقّاً «.
الثاني : أنه حالٌ من المصدر المعرَّف المحذوف، إما مصدر »
كُتِبَ «، أو » أوصى « ؛ كما تقدَّم.


الصفحة التالية
Icon