وقيل :[ الخَوْفُ ] بمعنى العلم، وهو مجازٌ، والعلاقة بينهما هو أنَّ الإنسان لا يخاف شيئاً؛ حتى يعلم أنه ممَّا يُخاف منه، فهو من باب التعبير عن السَّبب بالمسبِّب؛ ومن مجيء الخوف بمعنى العلم قوله تعالى :﴿ إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ]، وقول أبي محجن الثقفيَّ :[ الطويل ]
٩٢٣ - إذَا مُتُّ فَادْفِنِّي إلى جَنْبِ كَرْمَةٍ | تُرَوِّي عِظَامِي في المَمَاتِ عُرُوقَهُا |
وَلاَ تَدْفِنَنِّي في الفَلاَةِ فَإِنَّنِي | أَخَافُ إذَا مَا مُتُّ أَنْ لاَ أَذُوقُهَا |
و « الجَنَفُ » فيه قولان :
أحدهما : الميل؛ قال الأعشى :[ الطويل ]
٩٢٤ - تَجَانَفُ عَنْ حُجْرِ اليمَامَةِ نَاقِتِي | وَمَا قَصَدَتْ مِنْ أَهْلِهَا لِسوَائِكَا |
٩٢٥ - هُمُ المَوْلَى وَإِنْ جَنَفُوا عَلَيْنَا | وَإِنَّا مِننْ لِقَائِهِمْ لَزُورُ |
قال القائل :[ الكامل ]
٩٢٦ - إنِّي امْرُؤٌ مَنَعَتْ أَرُومَةَ عَامِرٍ | ضَيْمِي وَقَدْ جَنَفَتْ عَلَيَّ خُصُومُ |
والفرق بين الجنف والإثم : أن الجنف هو الميل مع الخطأ، والثم : هو العمد.
فصل في سوء الخاتمة بالمضارة في الوصيَّة
روي عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ أنه قال :« إنَّ الرَّجُلَ، أو المَرْأَةَ، لَيَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سَبْعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يَحضُرُهُمَا المَوْتَ، فَيُضَّارَّانِ في الوَصِيَّةِ؛ فتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ »، ثم قرأ أبو هريرة :« مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة » إلى قوله :﴿ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّة ﴾ [ النساء : ١٢ ].
فصل
والضمير في « بَيْنَهُمْ » عائدٌ على الموصي، والورثة، أو على الموصى لهم، أو على الورثة والموصى لهم، والظاهر عوده على الموصى لهم، إذ يدلُّ على ذلك لفظ « الموصي »، وهو نظير « وأَدَاءٌ إلَيْهِ » في أنَّ الضَّمير يعود للعافي؛ لاستلزام « عُفِيَ » له؛ ومثله ما أنشد الفراء :[ الوافر ]
٩٢٧ - وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ أَرْضاً | أُرِيدُ الخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي |
فصل في بيان المراد من المصلح
هذا المصلح [ من هو؟ ] الظاهر أنه الوصي، وقد يدل تحته الشاهد، وقد يكون المراد منه من يتولَّى ذلك بعد موته؛ من والٍ، أو وليٍّ، أو من يأمر بمعروف، فلا وجه للتخصيص، بل الوصيُّ أو الشهد أولى بالدُّخول؛ لأن تعلقهم أشدُّ، وكيفيَّة الإصلاح أن يزيل ما وقع فيه الجنف، ويردَّ كلَّ حَقٍّ إلى مستحقه.