وقال أكثَرُ الفقهاءِ : المرضُ المبيحُ للفطر الَّذي يؤدِّي إلى ضررٍ في النفسِ، أو زيادةِ في العلَّة.
قالوا : وكيفَ يمكنُ أنْ يقالَ : كُلُّ مرضٍ مرخِّصٌ، مع علمنا أنَّ في الأَمْرَاض ما ينقصه الصَّوم.
فصل في أصل السَّفر واشتقاقه
أصلُ السَّفر من الكَشف، وذلك أنه يَكشفُ عن أحوال الرِّجال وأخلاقهم، والمِسفرة : المِكْنَسَة؛ لأنَّها تكشِفُ التُّراب عن الأَرْض، والسَّفير : الدَّاخل بين اثْنَيْن للصلح؛ لأنَّه يكشِفُ الَّذي اتَّصل بهما، والمُسْفِر المُضِيء؛ لأنه قد انْكَشَف وظَهَر، ومنه : أَسْفَر الصُّبح، والسِّفر : الكتَابُ؛ لأنه يكشِف عن المعاني ببيانهِ. وسَفَرتِ المرأَةُ عن وجهها، إذا كشَفَت النقابِ.
قال الأزهري : وسُمِّي المسافرُ مُسِافراً؛ لكشف قناع الكنِّ عن وجهه، وبُرُوزه إلى الأرضِ الفَضَاءِ، وسُمِّي السَّفَر سَفَراً أيضاً؛ لأنَّه يسفر عن وجُوه المُسَافرين، وأخْلاَقهم، ويظهر ما كان خافياً منهُم، والله أعْلَم.
فصل في السفر المبيح للقصر والفطر
اختلفُوا في السَّفر المُبيح للقَصر والفِطْر بعد إِجماعهم على سَفَر الطَّاعة؛ كالحَجِّ والجهاد، ويتصلُ بهذين سفرُ صلةِ الرَّحِمِ، وطَلَبِ المعاشِ الضروريِّ، وأمَّا سَفَر التجاراتِ والمُبَاحات، فمختلَفٌ فيه، والأرجح الجوازُ، وأمَّا سَفَر المعاصِي؛ فمختلفٌ فيه، والمنع فيه أرجحُ.
فصل
قال القرطبيُّ : اتَّفق العلماء على أنَّ المُسَافر في رَمَضان لا يجوزُ له أنْ يُبَيِّتَ الفِطْر؛ لأنَّ المُسَافِرَ لا يكُونُ مُسَافراً بالنِّيَةِ؛ بخلاف المقيم، وإِنما يكونُ مسافراً العَمَل، والنُّهُوض، والمقيمُ لا يفتقر إِلى عَمَل؛ لأنه إذا نوى الإقامة، كان مقيماً في الحين؛ لأن الإقامة لا تفتقر إلى عَمَلٍ، فافترقا.
فصل في قدر السَّفر المبيح للرُّخص
اختلفُوا في قَدر السَّفر المُبيح للرُّخص، فقال داود : كُلُّ سفر، ولو كان فَرْسَخاً، وتخصيص عمومِ القرآن بخَبَر الواحِدِ غيرُ جائزٌ.
وقال الأوزاعيُّ : السَّفر المبيحُ للفِطر هو مسافةٌ القصر، ومذهبُ الشافعيِّ ومالكٍ، وأحمد، وإسحاق؛ أنه مقدَّرٌ بستة عَشَرَ فرسخاً، وهي أربعةُ بُرُدٍ كلُّ فرسخٍ ثلاثة أَمْيالٍ بأَمْيَال هاشم جَدِّ الرَّسُول - عليه الصَّلاة والسَّلام - وهو الَّذي قدَّر أميال البادية كُلُّ ميلٍ اثْنَا عَشَر ألفَ قَدَمٍ، وهي أربعة آلافٍ خطوةٍ، كلُّ خَطوَةٍ ثلاثةُ أقدَام.
وقال أبُو حَنِيفة - رضي الله عنه - والثوريُّ : مَسَافَةُ القَصْرِ ثلاثة أيامٍ.
قوله ﴿ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾
الجمهور على رفع « عدَّةٌ »، وفيه وجوهٌ :
أحدها : أنَّه مبتدأٌ وخبره محذوفٌ، إما قبله، تقديره :« فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ » أو بعده، أي فعدَّةٌ أَمْثَالُ به.