الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف، اي : فالواجبُ عدَّةٌ.
الثالث : ان يرتفع بفعل محذوفٍن أي :« تُجْزِئُهُ عِدَّةٌ ».
وقرىء « فَعِدَّةٌ » ؛ نصباً محذوفاٍ، تقديره :« فَلْيَصُمْ عِدَّةً »، وكأنَّ أبا البقاء - رحمه الله - لم يَطَّلِعْ على هذه القراءةِ؛ فإنَّه قال : لو قرىء بالنَّصب، لكان مُسْتقيماً، ولا بُدَّ مِنْ حذف مضافٍ، تقديره :« فَصَوْمَ عِدَّة » وَمِنْ حذف جملة بعد الفعلية؛ ليصحَّ الكلامُ، تقديره :« فَأَفْطَرَ، فَعِدَّةً » ؛ ونظيرهُ ﴿ اضرب بِّعَصَاكَ الحجر فانفجرت ﴾ [ البقرة : ٦٠ ] وقوله ﴿ اضرب بِّعَصَاكَ البحر فانفلق ﴾ [ الشعراء : ٦٣ ]، أي :« فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ ».
و « عِدَّة » « فِعْلَةٌ » من العدد، بمعنى : مَعْدُودَة، كالطِّحْنِ والذِّبْح، ومنه يقال للجماعة المعدودة مِنَ النَّاس عِدَّة، وعِدَّة المرأة مِنْ هذا، ونَكَّر « عِدَّة »، ولم يقل :« فعدّتها » ؛ اتّكالاً على المعنى؛ فإنَّا بيَّنَّا أنَّ العدَّة بمعنى المعدُودة، فأمر بأن يصوم أيَّاماً معدودةً والظَّاهر : أنَّه لا يأتي إلاَّ بمثل ذلك العَدَ، فأغنى ذلك عن التعريف بالإضافة.
و « مِنْ أَيَّام » : في مَحلِّ رفع، أو نصبٍ على حَسَب القراءتين صفة ل « عِدَّة ».
قوله « أُخَر » صفةٌ ل « أيَّام » ؛ فيكون في محلِّ خفضٍ، و « أُخَرَ » على ضربَيْن.
أحدهما : جمع « أُخْرَى » تأنيث « أخَرَ » الَّذي هو أفعَلُ تَفضيل.
والثاني : جمع « أُخْرَى » بمعنى « آخِرَةِ » تأنيث « آخِرٍ » المقابل لأوَّل؛ ومنه قوله تبارك وتعالى :﴿ وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ ﴾ [ الأعراف : ٣٩ ] فالضربُ الأَوَّل لا ينصرفُ للوَصف والعَدْل، واختلفُوا في كيفيَّة العَدْل : فقال الجمهورُ : إنه عَدلٌ عن الألف واللاَّم؛ وذلك أنَّ « أُخَرَ » جمعُ « أُخْرَى »، و « أُخْرَى » تأنيث « آخَرَ » و « آخَرُ » أفعلُ تفضيلٍ لا يخْلُو عن أحدِ ثلاثةِ استعمالاتٍ.
إما مع « ألْ » وإمَّا مع « مَنْ »، وإما مع « الإضَافَةِ »، لكن مِنْ ممتنعةٌ؛ لأن معها يلزمُ الإفرادُ والتذكير والإضافة في اللفظِ؛ فقدَّرنا عدلَهُ عن الأَلِفِ واللاَّم، وهذا كما قالُوا في « سَحَرَ » إنَّه عدلٌ عن الألِفِ واللام، إِلاَّ أنَّ هذا مع العلميَّة، ومذهَبُ سيبويه : أنه عدل من صيغة إلى صيغةٍ؛ لأنه كان حقُّ الكلام في قولك :« مَرَرْتُ بِنِسْوَةِ أَخَرَ » على وزن « فُعَلَ » أنْ يكون « بنِسْوَةٍ آخَرَ » على وزن « أَفْعَلَ » ؛ لأن المعنى على تقدي « مِنْ » فعُدِل عن المفرد إلى الجمع.
وأمَّا الضربُ الثَّاني : فهو منصرفٌ؛ لِفُقْدَانِ العلَّة المذكورة، والفرقُ بين « أُخْرَى » التي للتفضيلِ، و « أُخْرَى » التي بمعنى متأخِّرة - أنَّ معنى الَّتي للتفضيل معنى « غَيْرَ »، ومعنى تِيكَ معنى « متأخِّرة » ؛ ولكونِ الأُولى بمعنى « غَيْر » لا يجوز أن يكونَ ما اتَّصلَ بها إلاَّ [ منْ جنس ما قبلها؛ نحو :« مررتُ بِكَ، وبرَجُلٍ آخر » ولا يجوز « اشْتَرَيْتُ هَذَا الجَمَلَ وَفَرَساً آخَرَ » ؛ لأنه من ] غير الجنْسِ، فأما قوله في ذلك البيت :[ البسط ]


الصفحة التالية
Icon