الثالث : نَصْبُه على الإغراء؛ ذكره أبو عُبَيْدة والحُوفِيُّ.
الرابع : أن ينتصبَ بقوله :« وأنْ تَصُومُوا » ؛ حكاه ابن عطية، وجوَّزه الزمخشريُّ، واعترض عليه؛ بأن قال : فَعَلى هذا التقدير يصير النَّظم :« ْ تَصُومُوا رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ خَيْرٌ لَكُمْ »
فهذا يقتضي وقوعَ الفَصْل بين المبتدأ والخَبَر بهذا الكَلامَ الكثير، وهو غَيْرُ جائزٍ؛ لأنَّ المبتدأ والخَبَر جاريان مَجْرَى شيءٍ واحدٍ، وإيقاع الفضْلِ بين الشَّيءِ الواحد غيرُ جائزٍ. وغلَّطَهُما أبو حيان : بأنَّه يَلْزَمُ منه الفصلُ بين الموصول وصلته بأجنبيٍّ، لأنَّ الخبر، وهو « خَيْرٌ » أَجْنَبِيٌّ من الموصول، وقد تقدَّم أنه لا يُخْبَرُ عن الموصول، إلاَّ بعد تمام صلتِهِ، و « شَهْر رَمَضَانَ » على رأيهم من تمام صلة « أَنْ »، فامتنع ما قالوه، وليس لقائل أن يقول : يتخرَّجُ ذلك على الخلاف في الظَّرف، وحرف الجَرِّ، فإنه يُغْتضفَرُ فيه ذلك عند بعضهم؛ لأنَّ الظاهر من نصبه هنا أنه مفعولٌ به لا ظرفٌ «.
الخامس : أنه منصوبٌ ب »
تَعْلَمُونَ « ؛ على حذف مضافٍ، تقديره : تعلمونَ شرفَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مُقَامَهُ في الإعراب.
وأدغم ابو عمرو رَاءَ »
شَهْر « في راء » رَمَضَان «، ولا يُلْتَفَتُ إلى من استضعفها؛ من حيث إنَّه جمع بين ساكنين على غير حدَّيهما، وقول ابن عطيَّة :» وذلك لا تقتضيه الأصول « غير مقبولٍ منه؛ فإنَّه إذا صَحَّ النقل، لا يُعارضُ بالقِياس.
والشهر لأهْلِ اللُّغة فيه قولان :
أشهرهما : أنه اسمٌ لمُدَّة الزمان التي يكون مَبْدَأَها الهلالُ خافياً إلى أن يَسْتَسْرَّ؛ سُمِّيَ بذلك لشُهْرَتِهِ في حاجة الناس إليه من المعاملات، والصوم، والحجِّ، وقضاء الدُّيُون، وغيرها.
والشَّهر مأخذوذٌ من الشُّهْرَة، يُقَالُ : شَهَر الشَّيْءَ يَشْهَرُهُ شَهْراً : إذا أظهره، ويسمَّى الشَّهْرُ : شَهْراً، لشُهْرَة أمره، والشُّهْرَة : ظهورُ الشيءِ، وسمي الهلال شهراً؛ لشُهْرته.
والثاني - قاله الزَّجَّاج - : أنه اسمٌ للهلال نفسه؛ قال :[ الكامل ]

٩٤٠ -................... وَالشَّهْرُ مِثْلُ قُلاَمَةِ الظُّفْرِ
ذلك؛ لبيانه؛ قال ذو الرُّمَّةِ :[ الطويل ]
٩٤١ -.................. يَرَى الشَّهْرَ قَبْلَ النَّاسِ وَهْوَ نَحِيلُ
يقولون : رأيتُ الشهْرَ، أي هِلاَلَهُ، ثم أُطلِقَ على الزمان؛ لطلوعه فيه، ويقال : أشْهَرْنَا، أي : أتى علينا شَهْرٌ، قال الفَرَّاءُ :»
لَمْ أَسْمَعْ فَعْلاً إلاَّ هذا «.

فصل


قال الثَّعلبي :»
يُقَالُ : شَهَرَ الهِلاَلُ، إذَا طَلَعَ «، ويُجْمَعُ في القلَّة على أشهرٍ، وفي الكثرة على شُهُورٍ، وهما مقيسان.
ورَمَضَانُ : عَلَمٌ لهذا الشَّهر المْصُوص، وهو علم جنسٍ، وفي تسميته برمضان أقوالٌ :
أحدها : أنَّه وافق مجيئه في الرَّمضاء - وهي شِدَّةُ الحَرِّ - فَسُمِّيَ هذا الشَّهْرَ بهذا الاسم : إما لارتماضهم فيه من حَرِّ الجوع، أو مقاساة شدَّته؛ كما سمَّوه تابعاً؛ لأنه يتبعهم فيه إلى الصَّوم، أي : يزعجهم لشدَّته عليهم، وقال - عليه الصَّلاة والسَّلام - :


الصفحة التالية
Icon