ذكروا في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوها :
أحدها : أنه تعالى لما حكم بجواز النسخ في الشرائع، فلعلّهم كانوا يطالبونه بتفاصيل ذلك الحكم، فمنعهم الله تعالى عنها، وبين أنَّهم ليس لهم أن يشتغلوا بهذه الأسئلة الفاسدة [ كسؤالات قوم موسى عليه الصلاة ولسلام ].
وثانيها : لما تقدم من الاوامر والنواهي قال لهم : إن لم تقبلوا ما أمرتكم به وتمرّدتم عن الطاعة كنتم كمن سأل موسى عليه السلام ما ليس له أن يسأله. عن أبي مسلم.
وثالثها : لما أمر ونهى قال : أتفعلون ما أمرتم أم تفعلون كما فعل من قبلكم من قوم موسى؟ و « أم » هذه يجوز أن تكون متّصلة معادلة [ لقوله تعال :« ألم تعلم » وهي مفرقة لما جمعته أي : كما أن « أو » مفرقة لما جمعته تقول : اضرب أيهم شئت زيداً أم عمراً، فإذا قلت : أضرب أحدهم.
قلت : اضرب زيداً أو عمراً.
أو تكون منقطعة، فقتدم ب « بل » والهمز، ولا تكون إِلاَّ بعد كلام تام كقوله : نما الإبل أم شاء؛ كأنه قال : بل هي شاء، ومنه قوله تعالى :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افتراه ﴾ [ هود : ٣٥ ] أي : يقولون.
قال الأخْطَلُ :[ الكامل ]

٧٣٠ كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بِوَاسِطٍ غَلَسَ الظَّلاَمِ مِنَ الرَّبابِ خَيَالاً
ويكون إضراباً للالتفات من قصة إلَى قصة ].
قال أبو البقاء : أم هنا منقطعة، إذ ليس في الكلام همزة تقع موقعها ومع أم أَيّهُما، والهمزة من قوله :« ألم تعلم » ليست من « أم » في شيء، والمعنى : بل أتريدون فخرج من كلام إلى كلام.
وأصل تريدون :« تُرْوِدُون » ؛ لأنه من رَادَ يَرُودُ، وقد تقدّم، فنقلت حركة « الواو » على « الراء »، فسكنت « الواو » بعد كسرة فقلبت ياء.
وقيل :« أم » للاستفهام، وهذه الجملة منقطعة عما قبلها.
وقيل : هي بمعنى « بل » وحدجها، وهذان قولان ضعيفان.
قوله تعالى :« أَنْ تَسْأَلُوا » نصب ومنصوب في محل نصب مفعولاً به بقوله :« تريدون » أي : أتريدون سؤال رسولكم.
قوله :« كَمَا سُئِلَ » متعلق ب « تسألوا » و « الكاف » في محلّ نصب، وفيها التقديران المشهوران : فتقدير سيبويه ورحمه الله تعالى أنها حال من ضمير المصدر المحذوف.
أي : إن تسألوه أي : السؤال حال كونه مُشَبَّهاً بسؤال قوم موسى له، وتقيدر جمهور النجاة : أنه نعت لمصدر محذوف، أي : إن تسألوا رسولكم سؤالاً مشبهاً كذا. و « ما » مصدرية، أي : كسؤال موسى. [ وأجاز الحوفي كونهنا بمعنى الذي فلا بد من تقدير عائد أي كالسؤال الذي سأله موسى ] و « موسى » مفعول لم يسمّ فاعله، حذف الفاعل للعم به، أي كما سأل قوم موسى.


الصفحة التالية
Icon