ولا جائزٌ أن يتعلَّق بلفظ « بَيِّنَاتٍ » ؛ لأنَّ المتعلِّق قيدٌ في المتقلَّق به؛ فهو كالوصفِ؛ فيمتنع من حيث يمتنع الوصف، وأيضاً : فلو جعلت هنا مكان الهدى ضميراً، فقلت : منه - أي : من ذلك الهُدَى - لم يصحَّ؛ فلذلك اخترنا أن يكون الهدى والفرقان عامَّين، حتى يكون هُدى وبينات بعضهاً منهما «.
قوله تعالى :﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ إلى قوله :﴿ تَشْكُرُونَ ﴾ نقل الواحدِيُّ في »
البسيط « عن الأخفش والمازنيِّ أنما قالا : الفاء في قوله ﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ﴾ زائدةٌ قالا : وذلك لأنَّ الفاء قد تدخل للعطف، أو للجزاء، أو تكون زائدةً، وليس لكونها للعطف، ولا للجزاء هاهنا وجهٌ؛ ومن زيادة الفاء قوله تعالى :﴿ قُلْ إِنَّ الموت الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ﴾ [ الجمعة : ٨ ].
قال : وأقول : يمكن أن تكون »
الفاء « هاهنا للجزاء؛ فإنه تعالى لما بيَّن رمضان مختصّاً بالفضيلة العظيمة التي لا يشاركه سار الشُّهور فيها، فبيَّن أنَّ اختصاصه بتلك الفضيلة يُنَاسِب اختصاصه بهذه العبادة، ولولا ذلك، لما كان لتقديم بيان تلك الفضيلة هاهنا وجه، كأنه قيل : لما علم الختصاص هذا الشهر بهذه الفضيلة، فأنتم أيضاً خصصتموه بهذه الفضيلة أي العبادة، وأما قوله تعالى :﴿ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ﴾ [ الجمعة : ٨ ] الفاء فيه غير زائدة أيضاً، بل هذا من باب مقابلة الضِّدِّ بالضدِّ؛ كأنه قيل : لمَّا فرُّوا من الموت، فجزاؤهم أن يقرب الموت منهم؛ ليعلموا أنَّه لا يغني الحذر عن القدر. و » مَنْ « فيها الوجهان : أعني كونها موصولةً، أو شرطيةً، وهو الأظهر، و » مِنْكُم « في محلِّ نصب على الحال من الضمير المستكنِّ في » شَهِدَ « فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، أي : كائِناً منكم، وقال أبو البقاء :» مِنْكُم « حالٌ من الفاعل، وهي متعلقةٌ ب » شَهِدَ «، قال أبو حيان :» فَنَاقَضَ؛ لأنَّ جَعْلَها حالاً يوجب أن يكون عاملها محذوفاً، وجعلها متعلِّقة ب « شَهِدَ » يوجب ألاَّ تكون حالاً « ويمكن أن يجاب عن اعتراض أبي حيَّان عليه بأنَّ مراده التعلُّ المعنويُّ، فإنَّ » كائناً « الذي هو عامل في قوله » مِنْكُم « هو متلِّقٌ ب » شَهِدَ « وهو الحالُ حقيقةً. ؟
وفي نَصْبِ »
الشَّهْرِ « قولان :
أحدهما : أنه منصوبٌ على الظرف، والمراد بشَهِدَ : حَضَر، ويكون مفعولُ »
شَهِدَ « محذوفاً، تقديره : فمن شَهِدَ منكُم المِصْرَ أو البلد في الشَّهْرِ.
والثاني : أنه منصوب على المفعول به، وهو على حذف مضافٍ، ثم اختلفوا في تقدير ذلك المضاف : فالصحيح أنَّ تقديره :»
دُخُولَ الشَّهْرِ «، وقال بعضهم :» هِلاَلَ الشَّهْرِ « قال شهاب الدين : وهذا ضعيفٌ؛ لوجهين :
أحدهما : أنك لا تقول : شَهِدْتُ الهِلاَلَ، إنما تقول : شاهَدْتُ الهِلاَلَ.


الصفحة التالية
Icon