ويمكن أن يجاب بأنَّ المراد من الشُّهود : الحضُور.
والثاني : أنه كان يلزم الصوم كل من شَهِدَ الهِلاَلَ، وليس كذلك، قال : ويجاب بأن يقال : نعم، الآية تدلُّ على وجوب الصوم على عموم المكلَّفين، فإن خرج بعضهم بدليل، فيبقى الباقي على العموم.
قال الزمخشريُّ :« الشَّهْرَ » منصوبٌ على الظرف، وكذلك الهاء في « فَلْيَصُمْهُ » ولا يكون مفعولاً به؛ كقولك : شَهِدْتُ الجُمُعَةَ؛ لأنَّ المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشَّهْرِ « وفي قوله :» الهاء منصوبةٌ على الظرف « نظرٌ لا يخفى؛ لأن الفعل لا يتعدَّى لضمير الظرف إلاَّ ب » فِي «، اللهم إلاَّ أن يتوسَّع فيه، فينصب نصب المفعول به، وهو قد نصَّ على أنَّ نصب الهاء أيضاً على الظرف.
والفاء في قوله :» فَلْيَصَمْهُ « : إمَّا جواب الشَّرط، وإمَّا زائدةٌ في الخبر على حسب ما تقدَّم في » مَنْ «.
واللام لام الأمر، وقرأ الجمهور بسكونها، وإن كان أصلها الكسر، وإنما سكَّنوها؛ تشبيهاً لها مع الواو والفاء ب » كَتِف « ؛ إجراءً للمنفصل مجرى المتصل. وقرأ السُّلَمِيُّ وأبو حيوة وغيرهما بالأصل، أعني كسر لام الأمر في جميع القرآن. وفتح هذه اللام لغة سليمٍ فيما حكاه الفراء، وقيَّد بعضهم هذا عن الفراء، فقال :» مِنَ العَرَبِ مَنْ يَفتحُ اللام؛ لفتحةِ الياء بعدها «، قال :» فلا يكونُ على هذا الفتحُ إن انكسَرَ ما بعدها أو ضُمَّ : نحو : لِيُنْذِرْ، ولِتُكْرِمُ أنتَ خالداً «.
والألف واللام في قوله :﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ ﴾ للعهد، إذ لو أتى بدله بضميرٍ، فقال :» فَمَنْ شَهِدَه منْكُمْ « لصَحَّ غلا أنَّه أبرزه ظاهراً؛ تنويهاً به.
فصل بي بناء القولين على مخالفة الظاهر
قال ابن الخطيب واعلم أن كلا القولين أعني : كون مفعول » شَهِدَ « محذوفاً أو هو الشَّهر لا يتم إلاَّ بمخالفة الظاهر.
أما الأوَّل : فإنَّما يتم بإضمار زائدٍ، وأمَّا الثاني : فيوجب دخول التخصيص في الآية الكريمة وذلك لأنَّ شهود الشَّهْر حاصلٌ في حقِّ الصبيِّ والمجنون والمسافر، مع أنَّ لم يجل على واحدٍ منهم الصَّوم إلاَّ أنا بيَّنا في » أُصُول الفِقْه « أنه متى وقع التعارض بين التخصيص والإضمار، فالتخصيص أولى، وأيضاً، فلأنَّا على القول الأول، لما التزمنا الإضمار لا بُدَّ أيضاً من التزام التَّخْصيص؛ لأنَّ الصبيَّ والمجنون والمريض كلُّ واحدٍ منهم شهد الشَّهْرَ مع أنه لا يجبُ عليهم الصَّوم.
فالقول الأول : لا يتمشى إلاَّ مع التزام الإضمار والتَّخصيص.
والقول الثاني : يتمشى بمجرَّد التخصيص؛ فكان القول الثاني أولى، هذا ما عندي فيه، مع أن أكثر المُحَقِّقين كالواحديّ وصاحب الكشَّاف ذهبوا إلى الأوَّل.