قال ابن الخطيب وعندي : أنه لا فرق بينهما في الحقيقة، لأنا إنما قبلنا قول الواحد في هلال رمضان؛ لكي يصوموا، ولا يفطروا؛ احتياطاً؛ فكذلك يقبل قول الواحد في هلال شوَّال؛ لكي يفطروا ولا يصوموا احتياطاً.
فصل في حدِّ الصوم
الصَّوم : هو الإمساك عن المفطرات مع العلم بكونه صائماً من أوَّل الفجر الصَّادق إلى غروب الشَّمس مع النِّيَّة.
فقولنا :« إمساك » هو الاحتراز عن شيئين :
أحدهما : لو طارت ذبابةٌ إلى حلقه، أو وصل غبارُ الطريق إلى باطنه، لا يبطل صومه؛ لأنَّ الاحتراز عنه شاقٌّ، وقد قال الله تعالى :﴿ يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر ﴾.
والثاني : لو صُبَّ الطعام أو الشراب في حلقه كرهاً، أو حال النوم - لا يبطل صومه، والإكراه لا ينافي الإمساك.
وقولنا « عَنِ المُفطرَاتِ » وهي ثلاثة : دخول داخلٍ، أو خروج خارجٍ، والجماعُ.
وحدُّ الدخول : كلُّ عينٍ وصل من الظَّاهر إلى الباطن من مَنفَذٍ مفتوح إلى الباطن، إما إلى الدماغُ، وإما إلى البطن وما فيها من الأمعاء والمثانة، أما الدِّماغ فيحصل الفطر بالسّعُوط، وأما البطن، فيحصل الفطر بالحقنة؛ وأما الخروج، فالقيء [ بالاختيار ]، والاستمناء [ يُبْطلانَ الصوم ]، وأما الجماع فمبطلٌ للصَّوم بالإجماع.
وقولنا « مَعَ العِلْمِ بِكَوْنِهِ صَائِماً » فلو أكل أو شرب ناسياً، لم يبطُل صومه عند أبي حنيفة، والشَّافعيِّ، وأحمد، وعند مالك يبطُلُ.
وقولنا :« مِنْ أَوَّولِ طُلُوعِ الفَجْرِ الصَّادِقِ » ؛ لقوله تعالى :﴿ وَكُلُواْ واشربوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الأسود مِنَ الفجر ﴾ [ البقرة : ١٨٧ ] وكلمة « حَتَّى » ؛ لانتهاء الغاية.
وكان الأعمش يقول : أول وقته إذا طلعت الشمس، وكان يبيحُ الأكل والشرب بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس؛ ويحتج بأنَّ انتهاء الصَّوم [ من وقت ] غروب الشمس، فكذا ابتداؤه يجب أن يكون بطلوعها، وهذا باطلٌ بالنضِّ الذي ذكرناه.
وحكي أن أبا حنيفة دخل على الأعمش يعوده، فقال له الأعمش : إنَّك لثقيلٌ على قلبي، وأنت في بيتك، فيكيف إذا زرتني، فسكت عنه أبو حنيفة، فلمَّا خرج من عنده، قيل له : لم سكتَّ عنه؟ قال : فماذا أقول في رجلٍ ما صام ولا صَلَّى عمره، وذلك لأنه كان يأكل بعد الجر الثَّاني قبل طلوع الشمس، فلا صوم له، وكان لا يغتسل من الإنزال، فلا صلاة له.
وقولنا :« إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ » ؛ قوله عليه السلام :