« إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ من هَا هُنَا وَأَدَبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ » ومن الناس من يقول : وقت الإفطار عند غروب ضوء الشَّمس، قَاسَ الطَّرَف الثاني على الطَّرف الأوَّل من النهار؛ فإن طلوع الفجر الثاني هو طلوع ضوء الشَّمس، كذلك غروبه يكون بغروب ضوئها، وهو مغيب الشمس.
وقولنا « مَعَ النِّيِّةِ » ؛ لأنَّ الصوم عملٌ؛ لقوله عليه السَّلام :« الصَّوْمُ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ، والعلم لا بُدَّ فيه من النيَّة »، لقوله - عليه السَّلام - :« إنَّما الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ »، ومن الناس من قال : لا حاجة لصوم رمضان إلى النيَّة؛ لأن الله تعالى امر بالصَّوم بقوله :« فَلْيَصُمْهُ » والصَّوم هو الإمساك، وقد وجد، فيخرج عن العهدة، وهذا مردودٌ بقوله - عليه السلام - « إنَّما الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ » والصوم عملٌ.
وقوله ﴿ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ قد تقدَّم الكلامُ عليها، وبيانُ السبب في تكريرها.
قوله :﴿ يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر ﴾ تقدَّم معنى الإرادة واشتقاقها عند قوله تعالى :﴿ مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا ﴾ [ البقرة : ٢٦ ]. و « أَرَادَ » يتعدَّى في الغالب إلى الأجرام بالباء وإلى المصادر بنفسه، وقد ينعكس الأمر؛ قال الشاعر :[ الطويل ]
٩٤٤ - أَرَادَتْ عَرَاراً بِالهَوَانِ وَمَنْ يُرِدُ | عَرَاراً لعَمْرِي بِالهَوَانِ فَقَدْ ظَلَمْ |
و « اليُسْرُ » في اللغة السُّهُولة، ومنه يقال للغنى والسَّعة : اليسار؛ لأنه يتسهل به الأمور واليد اليُسْرَى، قيل : تلي الفعال باليسر، وقيل إنه يتسهَّل الأمر بمعاونتها اليمنى.
فصل في دحق شبهة للمعتزلة
استدلُّوا بهذا الآية على أنَّ تكليف ما لا يطاق غير واقعٍ؛ لأنه تعالى لمَّا بيَّن أنه يريد بهم اليسر، ولا يريد بهم العسر، فكيف يكلِّفهم ما لا يقدرون عليه.
وأُجيبوا : بأنَّ اللفظ المفرد، إذا دخل عليه الألف واللام لا يفيد العموم، ولو سلَّمناذلكح لكنَّه قد ينصرف إلى المعهود السَّابق في هذا الموضع.
فصل في دحض شبهة أخرى للمعتزلة
قالت المعتزلة : هذه الآية تدلُّ على أنَّه قد يقع من العبد ما لا يريده الله تعالى؛ وذلك لأنَّ المريض لو تحمَّل الصَّوم حتى أجهده، لكان يجب أن يكون قد فعل مالا يريده الله تعالى منه، إذْ كان لا يريد غيره.
وأُجيبوا بحمل اللَّفظ على أنَّه تعالى لا يريدُ أنْ يأمر بما فيه عسر، وإن كان قد يريدُ منه العُسر؛ وذلك لأن الأمر قد يثبت بدون الإرادة.