والياءان من قوله :« الدَّاع - دَعَان » من الزوائد عند القُرَّاءِ، ومعنى ذلك أنَّ الصحابة لم تُثْبِت لها صورةً في المُصحَف، فمن القُرَّاءِ مَنْ أَسْقَطَها تَبَعاً للرسل وَقْفاً ووَصْلاً. ومنهم مَنْ يُثْبِتُها في الحالَين، ومنهم مَنْ يُثْبِتُها وَصْلاً ويحذِفُها وَقْفاً، وجملةُ هذه الزوائد اثنتان وستُّون ياءً، فأثبَتَ أبو عمرو وقَالُونُ هاتَينِ الياءَيْنِ وَصْلاً وحَذَفَاهَا وَقْفاً.
فصل في بيان حقيقة الدُّعاء
قال أبو سليمان الخطَّابيُّ : والدُّعاء مصدر من قولك : دعَوتُ الشَّيءَ أَدعوه دُعاءً، ثم أقامُوا المَصدرَ مقام الاسم؛ تقول : سمعتُ الدعاء؛ كما تقولُ : سمعتُ الصَّوتَ، وقد يوضعُ المصدر موضع الاسم؛ كقولك : رَجُلٌ عدلُ، وحقيقةُ الدعاء : استدعاءُ العبدِ ربَّهُ جلَّ جلالهُ العناية، واستمدادُهُ إيَّاه المعونَةَ.
والإجابةُ في اللُّغة : الطاعةُ وإعطاءُ ما سُئِلَ، فالإجابةُ من الله العطاءُ، ومن العبدِ الطاعةُ.
وقال ابنُ الأنبياريِّ « أُجِيبَ » ههنا بمعنى « أَسْمَعُ؛ لأنَّ بين السماع والإجابةِ نَوْعَ ملازمةٍ.
فصل في الجواب على من ادَّعى أن لا فائدة في الدُّعاء
قال بعضهم : الدعاء لا فائدة فيه لوجوهٍ :
أحدها : أنَّ المطلوب بالدُّعاء، إنْ كان معلوم الوقُوع عند الله تعالى، كان وقوعهُ واجباً؛ فلا حاجة إلى الدُّعاء، وإن كان معلوم الانتفاءِ واجبَ العَدَمِ، فلا حاجة إلى الدُّعاء.
وثانيها : أنَّ وقوع الحَوَادِث في هذا العالم إنْ كان لا بُدَّ لها منْ مُؤَثِّر قديم اقتضى وجودَها اقتضاءً قديماً، كانت واجبةً الوُقُوع، وكلُّ ما لم يقتض المؤثِّرُ القديمُّ وجودَهُ اقتضاءً أزليّاً، كان ممتنعَ الوقُوع، وإذا كانت هذه المقدِّمة ثابتةً في الأَزَلِ، لم يكُن للدعاءِ ألبتَّة أثر، وربَّما عبَّروا عن هذا الكلام بأنْ قالوا : الأقدَارُ سابقةٌ، والأقضيةُ متقدِّمةٌ، فالإِلحاح في الدُّعاء لا يزيد فيها وتركُه لاَ ينقُصُ منها شيئاً، فأيُّ فائدةٍ في الدعاء، وقال ﷺ :» أَرْبَعٌ قَدْ فُرِغَ منها : الخَلْقُ والخُلُقُ وَالرِّزْقُ وَالأَجَلُ «
وثالثها : أنَّه سبحانه وتعالى قال :﴿ يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين وَمَا تُخْفِي الصدور ﴾ [ غافر : ١٩ ] وإذا كان يعلمُ ما في الضمير، فأيُّ حاجةٍ إلى الدُّعاء.
ورابعها : أنَّ المطلوب بالدعاء، إنْ كان من مصالح العَبْد، فالجواد المطلق لا يهملُهُ، وإن لم يكُنْ من مصالحه، لم يَجُزْ طلبه.
وخامسها : أنَّه ثبت أنَّ أجلَّ مقامات الصِّدِّيقين وأعلاها الرِّضا بقضاء الله تعالى والدعاءُ ينافي ذلك؛ لأنه اشتغالٌ بالاتماس، وترجيحٌ لمراد النَّفسِ على مُرَاد الله.