ولقائل أنْ يقُول : يحتملُ هذا البيت : إنْ يكون مِمَّا حُذف منه حرفُ الجرِّ.
واللامُ لامُ الأمر، وفرٌَّ الرُّمَّانيُّ بين أجاب واستَجَابَ : بأنَّ « اسْتَجَابَ » لا يكون إلا فيما فيه قَبُولٌ لما دُعي إليه؛ نحو :﴿ فاستجبنا لَهُ ﴾ ﴿ فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُم ﴾، وأمَّا « أَجَابَ » فأعمُّ، لأنه قد يُجيبُ بالمخالفة، فجعل بينهما عموماً وخصوصاً.
والجمهورُ على « يَرشُدُونَ » بفتح الياءِ وضمِّ الشينِ، وماضيه : رَشَدَ بالفتح، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بخلافٍ عنهما بكسر الشين، وقُرئ بفتحها، وماضيه رشِد بالكسر، وقرئ :« يُرْشَدُونَ » مبنيّاً للمفعول، وقرئ :« يُرْشِدُونَ » بضم الياء وكسر الشين من « أَرْشَدَ »، والمفعولُ على هذا محذوفٌ، تقديرُه : يُرْشِدُونَ غيرهم « والرُّشْدُ » هو الاهتداء لمصالح الدِّين والدُّنيا؛ قال تبارك وتعالى :﴿ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً ﴾ [ النساء : ٦ ] وقال ﴿ أولئك هُمُ الراشدون فَضْلاً مِّنَ الله وَنِعْمَةً ﴾ [ الحجرات : ٧ - ٨ ].
قال القرطبي : و « الرُّشْدُ » خلاف الغيِّ، وقد رشد يرشُدُ رُشداً ورشِدَ - بالكَسْر - يَرْشَدُ رَشَداً لغةٌ فيه وأرشدهُ اللَّهُ والمراشِد : مقاصد الطُّرق والطريقُ الأرشَدُ نحو الأقصد وأُمُّ راشدٍ كُنية للفأرة، وبنو رشدان بطنٌ من العرب عن الجوهريِّ.
وقال الهرويُّ : الرُّشْدُ والرَّشد والرَّشَادُ : الهدى والاستقامة؛ ومنه قوله تعالى :« يَرْشُدُونَ ».
فإنْ قيل : إجابةُ العبد للَّه تعالى إنْ كانت إجابةً بالقَلْب واللِّسان، فذاك هو الإيمانُ، وعلى هذا، فيكونُ قوله :﴿ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي ﴾ تكراراً محضاً، وإن كانت إجابةُ العبد للَّه تعالى عبارةً عن الطاعات كان الإيمان مقدَّماً على الطاعات، وكان حقُ النَّظم أن يقول :« فَلْيُؤْمِنُوا بِي وَلْيَسْتَجيبُوا لِي » فلم جاء على العكس.
فالجواب : أن الإيمان عبارةُ عن صفة القلب، وهذا يدلُّ على أنَّ العبد لا يصلُ إلى نُور الإيمان، إلاَّ بتقديم الطَّاعات والعبادات.