قوله تعالى :﴿ لَيْلَةَ الصيام ﴾ منصوبٌ على الظرف، وفي الناصب له ثلاثةُ أقوالٍ :
أحدها - وهو المشهورُ عند المُعْربين - :« أُحِلَّ »، وليس بشيءٍ؛ لأنَّ الإحلال ثابتٌ قبل ذلك الوقت.
الثاني : أنه مقدرٌ مدلولٌ عليه بلفظ « الرَّفَث »، تقديرُه : أُحِلَّ لكُمْ أن ترفُثُوا ليلة الصِّيام؛ كما خرَّجوا قول الشاعر :[ الهزج ]
٩٥٠ - وَبَعْضُ الحِلْم عِنْدَ الْجَه | لِ لِللذِّلَّةِ إِذْعَانُ |
الثالث : أنه متلِّق بالرَّفثِ، وذلك على رأي منْ يرى الاتساع في الظروف والمجْرُوراتِ، وقد تقدَّم تحقيقه.
وأضيفت اللِّيلةُ للصيام؛ اتِّساعاً، لأنَّ شرط صحته، وهو النيةُ، موجودةً فيها، والإضافة تحدُثُ بأدنى ملابسةٍ، وإلاَّ فمِنْ حقِّ الظَّرف المضاف إلى حدثٍ أن يُوجَدَ ذلك الحدث في جزءٍ من ذلك الظَّرف، والصومُ في اللَّيل غيرُ معتَبَرٍ، ولكنَّ المُسَوِّغ لذلك ما ذكرتُ لك أو تقول : الليلة : عبارةٌ عمَّا بين غروب الشَّمس إلى طلوعها، ولمَّا كان الصَّيام من طلوع الفجر، فكان بعضُهُ واقعاً في اللِّيل فساغ ذلك.
والجمهورُ على « أُحِلَّ » مبنيّاً للمفعول للعلمِ به، وهو اللَّهُ تعالى، وقرئ مبنياً للفاعل، وفيه حينئذٍ احتمالان :
أحدهما : أن يكونّ من باب الإضمار؛ لفَهْمِ المعنى، أي أَحَلَّ اللَّهُ؛ لأنَّ من المعلومِ أنه هو المُحَلِّلُ والمحرِّم.
والثاني : أن يكونَ الضميرُ عائداً على ما عاد عليه من قوله :﴿ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي ﴾ وهو المتكلِّم، ويكونُ ذلك التفاتاً، وكذلك في قوله :« لَكُمْ » التفاتٌ من ضمير الغَيْبة في :« فَلْيَسْتَجِيبُوا، وَلْيُؤْمِنُوا »، وعُدِّي « الرَّفث » ب « إِلَى »، وإنما يتعدَّى بالباء؛ لما ضُمِّن مِنْ معنى الإفضاء مِنْ قوله ﴿ وَقَدْ أفضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ ﴾ [ النساء : ٢١ ] كأنه قيل : أُحِلَّ لَكُمْ الإفْضَاءُ إلى نسائِكُمْ بِالرَّفَثِ. قال الواحديّ : أراد بليلة الصِّيام ليالي الصِّيام، فأوقَعَ الواحد موقع الجماعة؛ ومنه قولُ العبَّاس بن مرداسٍ :[ الوافر ]
٩٥١ - فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إِنَّا أَخُوكُمْ | فَقَدْ بَرِئَتْ مِنَ الإِحَنِ الصُّدُورُ |
وقرأ عبد الله « الرَّفُوثُ » قال اللَّيْث وأصل الرَّفث قول الفحش، والرَّفثُ لغةً مصدرُ : رَفَثَ يَرْفِثُ بكسر الفاء وضمها، إذا تكلم بالفُحشِ، وأرْفَثَ أَتَى بالرَّفثِ؛ قال العجاج :[ الرجز ]
٩٥٢ - وَرَبِّ أَسْرَابِ حَجِيجٍ كُظَّمِ | عَنِ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّم |